اشتهاره دليل على عدم وقوعه.

قال: "وقال أبو هاشم: الكل مصطلح وإلا فالتوقيف إما بالوحي فتقدم البعثة, وهي متأخرة لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] أو يخلق علم ضروري في عاقل فيعرفه تعالى ضرورة, فلا يكون مكلفا أو في غيره وهو بعيد، وأجيب بأنه ألهم العاقل بأن واضعا ما وضعها، وإن سلم لم يكن مكلفا بالمعرفة فقط. وقال الأستاذ: ما وقع به التنبيه إلى الاصطلاح توقيفي, والباقي مصطلح" أقول: هذا هو المذهب الثالث الذي ذهب إليه أبو هاشم، وهو أن اللغات كلها اصطلاحية, إذ لو وضعها البارئ تعالى ووقفنا عليها -بتشديد القاف- أي: أعلمنا بها فالتوقيف إما أن يكون بالوحي وهو باطل؛ لأنه يلزم تقدم بعثة الرسل على معرفة اللغات لكن البعثة متأخرة؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] أو يكون بخلق علم ضروري في عاقل بأن الله تعالى وضعها لهذه المعاني وهو باطل؛ لأنه يلزم منه أن يعرف الله تعالى بالضرورة لا بحصول العلم؛ لأن حصول العلم الضروري بوضع الله تعالى يستلزم العلم الضروري بالله تعالى؛ لأن العلم بصفة الشيء إن كان ضروريا يكون العلم بذاته أولى أن يكون ضروريا، وحينئذ فيلزم أن لا يكون مكلفا بالمعرفة لحصولها، وإذا لم يكن مكلفا بها لم يكن مكلفا مطلقا؛ لأنه لا قائل بالفرق أن يكون بخلق علم ضروري في إنسان غير عاقل, وهو بعيد جدا فإنه يبعد أن يصير غير العاقل عالما بهذه الكيفيات العجيبة, وهذه التركيبات النادرة اللطيفة, فإذا انتفت طرق التوقيف انتفى، وثبت التوقيف، وثبت الاصطلاح، وهذا التقرير هو الصواب على خلاف ما قرره الإمام وأتباعه، فإنهم جعلوه دليلين فلزمهم بطلان دعوى الحصر كما يعرف بالوقوف عليه, فجعله المصنف دليلا واحدا مقسما, فجمع بين الاختصار في اللفظ والانحصار للأقسام، وأجاب المصنف بوجهين, أحدهما: لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى ألهم العاقل أي: خلق العلم فيه, بأن واضعا ما وضع هذه الألفاظ بإزاء هذه المعاني, لا أن الله تعالى هو الذي وضع حتى يلزم المحذور, وهو عدم التكليف. الثاني: سلمنا هذا لكن يلزم أن لا يكون مكلفا بالمعرفة فقط؛ لكونه قد عرف وهذا لا استحالة فيه، أما كونه غير مكلف مطلقا فإنه غير لازم, كمن أتى بعبارة دون عبارة.

واعلم أن الأحسن في الجواب ما أجاب به ابن الحاجب, وهو أن يقال: إن الله تعالى علمها آدم ولا يرد عليه شيء مما قاله الخصم, ثم علمها آدم لبنيه, ثم بعثه الله تعالى إليهم بلغتهم, وأحسن من هذا أيضا أن يقال: الوحي قد يكون إلى نبي وهو الذي أُوحي إليه لكن لا للتبليغ, وقد يكون إلى رسول وهو المبعوث لغيره؛ ولهذا قالوا: كل رسول نبي ولا ينعكس, والآية إنما تنفي تعلمها بالوحي إلى رسول فيجوز أن يكون حصل التعليم بالوحي إلى نبي. قوله: "وقال الأستاذ" هذا هو المذهب الرابع اختيار الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني الشافعي, وهو أن القدر الذي وقع به التنبيه إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015