عشرة, قال في المحصول هنا: وهو مشكل من وجهين أحدهما: أنه لو كان خبرًا لتطرق إليه التصديق والتكذيب والأمر لا يتطرق إليه ذلك، الثاني: أنه لو أخبر في الأزل لكان إما أن يخبر نفسه وهو سفه أو غيره, وهو محال لأنه ليس هناك غيره، قال: ولصعوبة هذا المأخذ ذهب عبد الله بن سعيد1 من أصحابنا إلى أن كلام الله تعالى في الأزل لم يكن أمرا ولا نهيا، ثم صار فيما لا يزال كذلك, ولقائل أن يقول: إنا لا نعقل من الكلام إلا الأمر والنهي والخبر، فإذا سلمت حدوثها فقد قلت بحدوث الكلام، فإن ادعيت قدم شيء آخر فعليك بإفادة تصوره, ثم إقامة الدليل على أن الله تعالى موصوف به، ثم إقامة الدليل على قدمه، ولابن سعيد أن يقول: أعني بالكلام القدر المشترك بين هذه الأقسام كلام المحصول.

واعلم أن الإمام لما ذكرنا أن أمر الله تعالى معناه الإخبار, جعله عبارة الإخبار بنزول العقاب على من يترك، ثم استشكله بالوجهين السابقين، وبأنه يلزم أن لا يجوز العفو؛ لأن الخلف في خبر الله تعالى محال فعدل المصنف عن كونه إخبارا بنزول العقاب إلى الإخبار بمصيره مأمورا تقليلا للإشكال؛ لأن سؤال العفو لا يرد عليه، وإنما يرد عليه الأولان فقط، وهو من محاسن كلامه، على أنا نجيب عن العفو بأن نقول: الأمر عبارة عن الإخبار بنزول العقاب إذا لم يحصل عفو. وقوله: "قيل: الأمر في الأزل ... إلخ" لما شبهنا أمر الله تعالى في الأزل بأمر الرسل لنا قبل وجودنا، اعترضوا عليه بما سبق فأجبنا عنه، فشرعوا في فرق آخر بينهما فقالوا: كيف يعقل الأمر في الأزل, سواء كان بمعنى الإخبار أم بمعنى الإنشاء؛ لأن الأمر في الأزل مع أنه لا مأمور إذ ذاك فيمتثل ولا سامع فينتقل, عبث وسفه كمن جلس في داره وأمر ونهى من غير حضور مأمور ومنهي، بخلاف أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- فإن هناك سامعا مأمورا يعمل به وينقله إلى المأمورين المتأخرين، ويحتمل أن يريد بقوله: ولا سامع أي: إن جعلناه خبرا، وبقوله: ولا مأمور أي: جعلناه أمرا حقيقة، والجواب عنه: أن نقول: إن أردتم أنه قبيح شرعا فممنوع, وإن أردتم أنه قبيح عقلا فمسلم، ولكنا قد بينا فساد الحسن والقبح العقليين, ومع هذا أي: ومع تسليمنا القول بالتقبيح العقلي فلا سفه في مسألتنا، وذلك لأنه ليس المراد بالأمر أن يكون في الأزل لفظ هو أمر أو نهي، بل المراد معنى قويم قائم بذات الله تعالى وهو اقتضاء الطاعة من العباد وأن العباد إذا وجدوا يصيرون مطالبين بذلك الطلب، وهذا لا سفه فيه كما لا سفه في أن يقوم بذات الأب طلب تعلم العلم من الولد الذي سيوجد، وما قاله المصنف ضعيف من وجهين: أما الأول فلأن الحسن والقبح بمعنى الكمال، والنقص عقليان باتفاق، كما تقدم بسطه في أول الفصل الذي قبل هذا, والقبح هنا بمعنى النقص لا بمعنى ترتب الثواب والعقاب على الفعل، فإن وروده هنا مستحيل، وأما الثاني فلا نسلم أنه يقوم بذات الأب حال عدم الولد أمر محقق بل مقدر، أي: لو كان لي ولد لكنت آمره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015