المسألة الثانية:

قال: "المسألة الثانية: لا يجوز تكليف الغافل من أحال تكليف المحال, فإن الإتيان بالفعل امتثالا يعتمد الفعل ولا يكفي مجرد الفعل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات" 1 ونوقض بوجوب المعرفة، وأجيب بأنه مستثنى" أقول: تكليف الغافل كالساهي والنائم والمجنون والسكران وغيرهم لا يجوزه من منع التكليف بالمحال, هكذا قاله المصنف، وفيه نظر من وجهين, أحدهما: أن مفهومه أن القائلين بجواز التكليف بالمحال جوزوا هذا، وهو أيضا مفهوم كلام المحصول، وليس كذلك، بل إذا قلنا بجواز ذلك, فللأشعري هنا قولان نقلهما ابن التلمساني2 وغيره, قال: والفرق أن هناك فائدة في التكليف، وهي ابتلاء الشخص واختباره، والثاني: فرق ابن التلمساني وغيره بين التكليف بالمحال وتكليف المحال فقالوا: الأول هو أن يكون المحال راجعا إلى المأمور به, والثاني: أن يكون راجعا إلى المأمور، كتكليف الغافل, وعلى هذا فالصواب أن يقول: من أحال التكليف بالمحال بزيادة الباء في المحال. واعلم أن الشافعي -رحمه الله تعالى- قد نص في الأم على أن السكران مخاطب مكلف كذا نقل عنه الروياني في البحر في كتاب الصلاة, وحينئذ فيكون تكليف الغافل عنه جائزا؛ لأنه فرد من أفراد المسألة كما نص عليه الآمدي وابن الحاجب، ثم استدل المصنف على امتناع تكليف الغافل بأن الإتيان بالفعل المعين لغرض امتثال أمر الله سبحانه يعتمد العلم أي بالأمر, وكذا بالفعل المأتي به أيضا وعليه اقتصر في المحال, وإنما قلنا: إنه يعتمد العلم أي: يتوقف عليه؛ لأن الامتثال هو أن يقصد إيقاع الفعل المأمور به على سبيل الطاعة، ويلزم من ذلك علمه بتوجه الأمر نحوه وبالفعل. قوله: "ولا يكفي مجرد الفعل" هو جواب عن سؤال مقدر توجيهه أن الفعل المجرد عن قصد الامتثال والطاعة قد يقع من الغافل على سبيل الاتفاق، وحينئذ فإذا علم الله تعالى وقوع الفعل من شخص فلا استحالة في تكليفه به، فلم قلتم: إنه لا بد من قصد الامتثال حتى إنه يلزم منه العلم بالفعل وبتوجه الطلب نحوه، وجوابه: أنا إنما قلنا بذلك للحديث الصحيح المشهور وهو قوله -صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات". قوله: "ونوقض بوجوب المعرفة" أي: هذا الدليل ينتقض بوجوب معرفة الله تعالى وتقريره من وجهين ذكرهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015