طلب التعلم من ابن سيولد". أقول: لما فرغ من الكلام في الحاكم انتقل إلى المحكوم عليه وذكر فيه أربع مسائل, الأولى: في جواز الحكم على المعدوم ولنقدم عليه مقدمة فنقول: اختلفوا في معنى كونه تعالى متكلما فقالت المعتزلة: معناه أنه خالق الكلام, فعلى هذا يكون الكلام عندهم من صفات الأفعال يوجد فيما لا يزال، وقالت الحنابلة: كلامه تعالى عبارة عن الحروف والأصوات وهي قديمة، وأنكروا كلام النفس، وقال الأشعري وأتباعه: إنه صفة قديمة قائمة بذاته, لا أول لوجودها وهو صفة واحدة في نفسه لا تعدد فيه بحسب ذاته، بل بحسب الإضافات وهو مع وحدته أمر ونهي وخبر ونداء, وانقسامه إلى هذه الأشياء بحسب متعلقاته, فإنه إن تعلق بطلب الفعل كان أمرا، أو بطلب الترك كان نهيا، فكونه أمرا أو نهيا أوصاف لا أنواع، كما أن الجوهر في نفسه واحد وإن كان مشتملا على أوصاف كالتحيز والقيام بنفسه, والقبول للأعراض، إذا عرف هذا فنقول: لما كان الحكم عند الأشاعرة هو خطاب الله بنفسه, والقبول للأعراض، إذا عرف هذا فنقول: لما كان الحكم عن الأشاعرة هو خطاب الله تعالى، كما تقدم، وخطاب الله تعالى هو كلامه الأزلي كما بيناه لزمهم أن يقولوا: إن الأمر والنهي ثابتان في الأزل، وليس ثم مأمور ولا منهي فلذلك قالوا: المعدوم يجوز الحكم عليه وهذه هي عبارة المصنف، وهي أحسن من قول الإمام: المعدوم يجوز أن يكون مأمورا؛ لأن الحكم أعم, قال في المحصول: وليس معنى كون المعدوم مأمورا أنه يكون مأمورا حال عدمه؛ لأنه معلوم البطلان بل على معنى أنه يجوز أن يكون الأمر موجودا في الحال، ثم إن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك يصير مأمورا بذلك الأمر هذا لفظه، وذكر الآمدي نحوه فقال: معناه قيام الطلب القديم بذات الرب سبحانه وتعالى للفعل من المعدوم بتقديم وجوده, وتهيئه لفهم الخطاب، فإذا وجدوا تهيؤا للتكليف صار مكلفا بذلك الطلب، قال: وأنكره سائر الفرق، لنا أن الواحد منا حال وجوده يصير مأمورا بأمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- مع أن ذلك الأمر ما كان موجودا إلا حالة عدمنا فكذلك في حق الله تعالى، اعترض الخصم على هذا الدليل فقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام مخبر ومبلغ عن الله تعالى أوامره, إما بالوحي، أو بالاجتهاد، وليس هو بمنشئ الأوامر من عنده, فالأمر الوارد منه إخبار عن الله تعالى بأنه سيأمرهم عند وجودهم, فلم يحصل الأمر عند عدم المأمور، بخلاف دعواكم في أمر الله تعالى, والجواب: أن أمر الله تعالى في الأزل عبارة عن الإخبار أيضا؛ لأن معناه أن فلانا إذا وجد بشروط التكليف, صار مكلفا بكذا.

واعلم أن كون الأمر معناه الإخبار, نقله في المحصول والمنتخب هنا عن بعض الأصحاب, فجزم به صاحب الحاصل فتبعه المصنف عليه، وقد صرح بإبطاله الكتابين المذكورين في أوائل الأوامر والنواهي في الكلام على أن الطلب غير الإرادة, نعم جزم بعكس ذلك وموافقة كلام المصنف في المحصول في الكلام عن تكليف ما لا يطاق, وفي الأربعين في المسألة السابعة عشرة, وفي معالم أصول الدين في المسألة الثامنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015