قال: "الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد, واختُلف في تصويب المجتهدين، بناء على الخلاف في أن لكل صورة حكما معينا, وعليه دليل قطعي أو ظني، والمختار ما صح عن الشافعي رضي الله عنه أن في الحادثة حكما معينا عليه أمارة، ومن وجدها أصاب، ومن فقدها أخطأ ولم يأثم؛ لأن الاجتهاد مسبوق بالدلالة لأنه طلبها، والدلالة متأخرة عن الحكم فلو تحقق الاجتهادان لاجتمع النقيضان، ولأنه قال عليه الصلاة والسلام: "من أصاب فله أجران, ومن أخطأ فله أجر" 1 قيل: لو تعين الحكم فالمخالف له لم يحكم بما أنزل الله ففسق ويكفر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ} [المائدة: 44] قلنا: لما أمر بالحكم بما ظنه وإن أخطأ حكم بما أنزل الله, قيل: لو لم يصوب الجمع لما جاز نصب المخالف، وقد نصب أبو بكر زيدا -رضي الله عنهما- لم يجز تولية المبطل والمخطئ ليس بمبطل". أقول: المعروف أنه ليس كل مجتهد في العقليات مصيبا، بل الحق فيها واحد, فمن أصابه أصاب، ومن فقده أخطأ وأثم، وقال العبري والجاحظ: مجتهد فيها مصيب أي: لا إثم عليه، وهما محجوجان بالإجماع كما نقله الآمدي، وأما المجتهدون في المسائل الفقهية وهو الذي تكلم فيه المصنف فهو المصيب منهم واحد، أو الكل مصيبون. وفيه خلاف مبني كما ذكره المصنف وغيره على أن كل صورة هل لها حكم معين أم لا؟ وفيه أقوال كثيرة ذكرها الإمام، واقتصر المصنف على بعضها، فلنذكر ما ذكره منها, أعني الإمام فنقول: اختلف العلماء في الواقعة التي لا نص فيها على قولين, أحدهما: أنه ليس لله تعالى فيها قبل الاجتهاد حكم معين، بل حكم الله تعالى فيها تابع لظن المجتهدين وهؤلاء هم القائلون بأن كل مجتهد مصيب، وهم الأشعري والقاضي وجمهور المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة، واختلف هؤلاء فقال بعضهم: لا بد أن يوجد في الواقعة ما لو حكم الله فيها بحكم لم يحكم إلا به، وهذا هو القول بالأشبه، وقال بعضهم: لا يشترط ذلك, والقول الثاني: أن له تعالى في كل واقعة حكما معينا, وعلى هذا فثلاثة أقوال أحدها وهو قول طائفة من الفقهاء والمتكلمين: حصل الحكم من غير دلالة أو أمارة، بل هو كدفين يعثر عليه الطالب اتفاقا، فمن وجده فله أجران ومن أخطأه فله أجر. والقول الثاني: عليه أمارة أي: دليل ظني، والقائلون به اختلفوا فقال بعضهم: لم يكلف المجتهد بإصابته لخفائه وغموضه؛ فلذلك كان المخطئ فيه معذورا مأجورا، وهو قول كافة الفقهاء، وينسب إلى الشافعي وأبي حنيفة، وقال بعضهم: إنه