التطوع يجب قضاؤه ولا يجب أداؤه، وقد اختار الآمدي أن الكسر يقدح كما اختاره المصنف، ولكنه عبر عنه بالنقض المكسور، وفسر الكسر بتخلف الحكم عن الحكمة المقصودة منه، ونقل عن الأكثرين أنه لا يقدح واختاره, ومثل له بأن يقول الحنفي في مسألة العاصي بسفره: مسافر فيترخص كالمطيع في سفره, ويبين مناسبة السفر للترخيص بما فيه من المشقة، فيقال: ما ذكرته من الحكمة قد وجدت في الحضر في حق أرباب الصنائع الشاقة مع عدم الترخيص، واختار ابن الحاجب في جميع ذلك ما اختاره الآمدي. قال: "الرابع: القلب, وهو أن يربط، خلاف قول المستدل على علته إلحاقا بأصله، وهو إما نفي مذهبه صريحا كقولهم: المسح ركن من الوضوء فلا يكتفى فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم، كالوجه فيقول: ركن منه, فلا يقدر بالربع كأوجه, أو ضمنا كقولهم: بيع الغائب عقد معاوضة فيصح كالنكاح، فيقول: فلا يثبت فيه خيار الرؤية، ومنه قلب المساواة، كقولهم: المكره مالك مكلف, فيقع طلاقه كالمختار, فيقول: فنسوي بين إقراره وإيقاعه، أو إثبات مذهب المعترض كقولهم: الاعتكاف لبث مخصوص، فلا يكون بمجرده قربة كالوقوف بعرفة، فيقول: فلا يشترط الصوم فيه كالوقوف بعرفة. قيل: المتنافيان لا يجتمعان. قلنا: التنافي حصل في الفرع بعرض الإجماع، تنبيه: القلب معارضة، إلا أن علة المعارضة وأصلها يكون مغايرا لعلة المستدل". أقول: الطريق الرابع من الطرق المبطلات العلية: القلب, وهو أن يربط المعترض خلاف قول المستدل على العلة التي استدل بها، إلحاقا بالأصل الذي جعله مقيسا عليه، وعبر في المحصول بقوله: نقيض قول المستدل وهو لا يستقيم, فإن الحكم الذي يثبته القالب يشترط أن يكون مغايرا له لا نقيضا كما سيأتي؛ فلذلك أبدله المصنف بالخلاف، والقلب ثلاثة أقسام الأول: أن يكون لنفي مذهب المستدل صريحا، كقوله الحنفية: مسح الرأس ركن من أركان الوضوء، فلا يكفي فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم قياسا على الوجه, فيقول الشافعي: مسح الرأس ركن من أركان الوضوء، فلا يقدر بالربع قياسا على الوجه. فهذا القلب قد نفى مذهب المستدل صريحا، ولم يثبت مذهب المعترض لجواز أن يكون الحق هو الاستيعاب كما قاله مالك. الثاني: أن يكون لنفي مذهب المستدل ضمنا، أي: يدل على بطلان لازم من لوازمه، كقول الحنفية: بيع الغائب عقد معاوضة، فيصح مع عدم رؤية المعقود عليه قياسا للنكاح، فيقول الشافعي: بيع الغائب عقد معاوضة فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح، وقبول خيار الرؤية لازم لصحة بيع الغائب عندهم، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم. قوله: "ومنه" أي: ومن القلب الذي ذكره المعترض لنفي مذهب المستدل ضمنا قلب المساواة، وهو أن يكون في الأصل حكمان, أحدهما: منتف عن الفرع بالاتفاق بينهما والآخر مختلف فيه، فإذا أراد المستدل إثبات المختلف فيه بالقياس على الأصل, فيقول المعترض: تجب التسوية بين الحكمين في الفرع بالقياس على الأصل، ويلزم من وجوب التسوية بينهما