تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين، علمت أن حكمه بجواز العكس في العلل الشرعيات إنما هو في المنصوصة دون المستنبطة، ثم استدل المصنف على أن الحكم الواحد بالشخص يجوز تعليله بعلتين منصوصتين بالوقوع، فإن اللعان والإيلاء علتان مستقلتان في تحريم وطء المرأة وكذلك من ارتد والعياذ بالله وجنى على شخص فقتله, كل منهما علة مستقلة في إراقة دمه. وإذا ثبت ذلك الواحد بالشخص ثبت في الواحد بالنوع بطريق الأولى؛ لأن كل من قال بالأول قال بالثاني بخلاف العكس كما تقدم وهو من محاسن كلام المصنف فاعلمه, واجتنب ما قاله الشارحون فيه. نعم التمثيل بالإيلاء فاسد, فإن الزوجة لا تحرم به أصلا، وليس فيه الحنث على تقدير الوطء، وهذا المثال لم يذكره الإمام هنا، غير أنه ذكر في موضع آخر ما يوافقه، وتبعه فيه المصنف، وكأنه توهم أن الحلف على الشيء يكون محرما له, ولو مثل بالظهار لاستقام، وأما المنع في المستنبطة فاستدل عليه بأن الحكم فيها، وإنما هو مستبد إلى ما ظن المجتهد أنه علة له. وعلى هذا التقدير يمتنع التعليل بعلتين؛ لأن ظن ثبوت الحكم لأجل أحد الوصفين يصرفه عن ثبوته لأجل الوصف الآخر أو لأجل مجموع الوصفين, وحينئذ فلا يحصل الظن بعلية كل منهما. ومثال ذلك إذا أعطى شيئا لفقيه, فإنه يحتمل أن يكون الإعطاء للفقه، وأن يكون للفقر فلا يجوز إسناده إليهما لما قلنا، وهذا الدليل منقوض بالعلل المنصوصة. واختلف القائلون بالجواز إذا اجتمعت, فقيل: كل واحدة علة مستقلة ورجحه ابن الحاجب، وقيل: المجموع علة واحدة، وقيل: العلة واحدة لا بعينها. إذا علمت جميع ما قاله المصنف وهو أن عدم التأثير وعدم العكس إنما يقدحان إذا منعنا تعليل الحكم الواحد بعلتين، وأن الراجح في التعليل بعلتين منه في المستنبطة دون المنصوصة، علمت أن الراجح عنده أنهما يقدحان في المستنبطة دون المنصوصة، وهو خلاف ما في المحصول, فإن حاصل ما فيه أنهما لا يقدحان. قال: "الثالث: الكسر وهو عدم تأثير أحد الجزأين ونقض الآخر، كقولهم: صلاة الخوف صلاة يجب قضاؤها، فيجب أداؤها قبل خصوصية الصلاة, ملغى؛ لأن الحج كذلك فيبقى كونه عبادة، وهو منقوض بصوم الحائض". أقول: الثالث من الطرق الدالة على إبطال العلة: الكسر، وهو أن تكون العلة مركبة، فيبين أن المعترض عدم تأثير أحد جزأيها, ثم ينقض الجزء الآخر كما إذا استدل الشافعي على وجوب فعل الصلاة في حال الخوف بقوله: صلاة الخوف صلاة يجب قضاؤها, فيجب أداؤها قياسا على صلاة الأمن، فالعلة كونها صلاة يجب قضاؤها وهو مركب من قيدين فيقول الحنفي: خصوصية القيد الأول وهو كونه صلاة, ملغى لا أثر له؛ لأن الحج كذلك أي: يجب قضاؤها، فيجب أداؤه, مع أنه ليس بصلاة فبقي كونها عبادة يجب قضاؤها, وهو منقوض بصوم الحائض فإنه عبادة يجب قضاؤها مع أنه لا يجب أداؤها. وهذا الذي قرره المصنف من كون وجوب قضاء الحج علة لوجوب أدئه غير مستقيم؛ فإن