به، قيل: لو ثبت قياسا لما قال به منكره، قلنا: القطعي لم ينكر, قيل: نفي الأدنى يدل على نفي الأعلى، كقوله: فلان لا يمتلك الحبة ولا النقير ولا القطمير، قلنا: أما الأول فلأن نفي الجزء يستلزم نفي الكل، وأما الثاني فلأن النقل فيه ضرورة ولا ضرورة ههنا". أقول: هذه المسألة قررها الشارحون على غير وجهها وقد يسر الله الكريم وجه الصواب فيها، فنقول: الكلام هنا في أمرين أحدهما: القياس، والثاني: الحكم الذي في الأصل، فأما القياس نفسه وهو الإلحاق والتسوية، فقد يكون قطعيا، وقد يكون ظنيا، فالقطعي كما قاله في المحصول يتوقف على مقدمتين فقط، إحداهما: العلم بعلة الحكم، والثانية: العلم بحصول مثل تلك العلة في الفرع، فإذا علمهما المجتهد علم ثبوت الحكم في الفرع، سواء كان ذلك الحكم مقطوعا به أو مظنونا، ثم مثل له أعني: الإمام بقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف، فإنه قياس قطعي؛ لأنا نعلم أن العلة هي الأذى ونعلم وجودها فيالضرب، ولكن الحكم ههنا ظني؛ لأنه دلالة الألفاظ عنده لا تفيد إلا الظن كما تقدم نقله عنه، فتلخص أن القياس في هذا المثال قطعي والحكم المستفاد منه ظني، وحاصله أنا قطعنا بإلحاق هذا الفرع في ذلك الأصل في حكمه المظنون، وأما القياس الظني فهو أن تكون إحدى المقدمتين أو كلتاهما مظنونة كقياس السفرجل على البر في الربا، بأن الحكم بأن العلة هي الطعم ليس مقطوعا به لجواز أن تكون هي الكيل أو القوت كما قاله الخصم، وإلى هذا كله أشار المصنف بقوله: القياس إما قطعي أو ظني، الأمر الثاني: الحكم الذي في الأصل، قال في المحصول: فينظر فيه, فإن كان قطعيا فيستحيل أن يكون الحكم في الفرع أولى منه, قال: لأنه ليس فوق اليقين مرتبة، والذي قال مبني على أن العلوم لا تتفاوت, وقد تقدم الكلام عليه في الخبر المتواتر, قال: فإن لم يكن قطعيا أي: سواء كان القياس قطعيا أم لم يكن، فثبوت الحكم في الفرع قد يكون أولى من ثبوته في الأصل، وقد يكون مساويا له، وقد يكون دونه، فالأولى كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف، فإن الأذى فيه أكثر, أما المساوي فكقياس الأمة على العبد في سراية العتق من البعض إلى الكل, فإنه قد ثبت في العبد بقوله -عليه الصلاة والسلام: $"من أعتق شركا له في عبد, قدم عليه" ثم قسنا عليه الأمة وهما متساويان في هذا الحكم لتساويهما في علته، وهي تشوف الشارع إلى العتق، ويسمى هذان القسمان بالقياس في معنى الأصل, ويسميان أيضا بالقياس الجلي وهو ما يقطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع، فإنا نقطع بأن الفارق بين العبد والأمة وهو الذكورة والأنوثة لا تأثير لهما في أحكام العتق، وأما الأدون فهي الأقيسة التي تستعملها الفقهاء في مباحثهم، كقياس البطيخ على البر في الربا بجامع الطعم، فإنه يحتمل أن تكون العلة إنما هو القوت أو الكيل، هكذا علله بعض الشارحين وعلله بعضهم بأن الطعم في المقتات أكثر مما هو في البطيخ، وإلى هذا كله أشار المصنف بقوله: فيكون الفرع إلى آخره،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015