فلا يتعدى التحريم إلى غيرها إلا عند ورود الأمر بالقياس، وإذا ثبت ذلك في جانب الترك ثبت في الفعل بطريق الأولى لما تقدم، ولقائل أن يقول: هذا الدليل بعينه يقتضي امتناع القياس عند التنصيص على العلة مع ورود الأمر به أيضا. قوله: "قيل: الأغلب" أي: اعترض الخصم من وجهين، أحدهما: أن الأغلب على الظن في هذا المثال كون الإسكار علة للتحريم مطلقا؛ لأنه وصف مناسب للحكم، وأما كونه من خمر أو غيره فلا أثر له، وحينئذ فيجب ترتب الحكم عليه حيث وجد، ويحتمل أن يريد أن الأغلب في العلل تعديتها دون تقييدها بمحل الحكم بالاستقراء، وأجاب المصنف بأن النزاع إنما هو في أن التنصيص على العلة هل يستقل بإفادة وجوب القياس أم لا؟ وما ذكرتم يقتضي أنه لا بد أن يضم إليه كون العلة مناسبة أو أن الغالب عدم تقييدها بالمحل, ويحتمل أن يريد ما ذكره في المحصول وهو أن مجرد التنصيص على العلة لا يلزم منه الأمر بالقياس ما لم يدل دليل على وجوب إلحاق الفرع بالأصل للاشتراك في العلة، أعني: الدليل الدال على وجوب العمل بالقياس. الاعتراض الثاني: أن الاحتمال الذي ذكرتموه وهو كون العلة إسكار الخمر, مخصوص بالمثال المذكور فلا يتمشى دليلكم في غيره، كما إذا قال الشارع: علة حرمة الخمر هو الإسكار، فإن احتمال التقييد بالمحل ينقطع ههنا وتثبت الحرمة في كل الصور، وأجاب المصنف بأنا نسلم ثبوت الحكم ههنا في كل الصور, لكنه يكون بالنص لا بالقياس، قال في المحصول: لأن العلم بأن الإسكار من حيث هو إسكار يقتضي الحرمة, موجب العمل بثبوت هذا الحكم في كل مسكر، من غير أن يكون العلم ببعض الأفراد متأخرا عن العلم بالبعض الآخر، وحينئذ فلا يكون هذا قياسا لأنه ليس جعل البعض أصلا والآخر فرعا بأولى من العكس, وإنما يكون قياسا إذا قال: حرمت الخمر لكونه مسكرا. واعلم أن الذهاب إلى أن الشارع إذا قال: علة حرمة الخمر وهو الإسكار أن الحكم يكون ثابتا في النبيذ وغيره من المسكرات بالنص جزم به في المحصول وهو مشكل، فإن اللفظ لم يتناول، ولعل هذا هو المقتضى لكون المصنف عبر بقوله علة الحرمة هو الإسكار, لكنه لا يستقيم من وجه آخر، وهو أن السائل لم يورد السوائل هكذا، فتعبيره بهذا حجر على السائل، وأيضا فلأنه يقتضي حصر التحريم في الإسكار وهو باطل قطعا، واستدل أبو عبد الله البصري على مذهبه بأن من ترك أكل شيء لكونه مؤذيا, فإنه يدل على تركه لكل مؤذٍ، بخلاف من ارتكب أمرا لمصلحة كالتصدق على فقير فإنه لا يدل على تصدقه على كل فقير. والجوب أنا لا نسلم أنه يدل على تركه لكل مؤذٍ، سلمناه لكنه لقرينة التأذي لا لمجرد التنصيص على العلة. قال: "الثالثة: القياس إما قطعي أو ظني, فيكون الفرع بالحكم أولى كتحريم الضرب على تحريم التأفيف, أو مساويا كقياس الأمة على العبد في السراية, أو أدون كقياس البطيخ على البر في الربا, قيل: تحريم التأفيف يدل على تحريم أنواع الأذى عرفا، ويكذبه قول الملك للجلاد: اقتله ولا تستخف