وهو متفرع على القياس من حيث هو، وليس مفرعا عن القياس الظني، وإن أوهمه كلام المصنف وصرح به الشارحون أيضا؛ ولهذا فإن الإمام جعلهما مسألتين مستقلتين وقررهما بمعنى الذي قررته من أوله إلى آخره، والذي ذكره الشارحون هنا سببه ذهولهم عن تقرير كلام الإمام على وجهه، فلزمهم أن يكون المنهاج مخالفا لأصلية الحاصل والمحصول من وجوه، وأن يكونا قد ناقضا كلاميهما بعد أسطر قلائل مناقضة فظيعة حتى صرح بعضهم بها بناء على زعمه, ويعرف ذلك بمراجعة المحصول, ومنشأ الغلط توهمهم أن القياس إنما يكون قطعيا إذا كان حكم الأصل قطعيا وهو عجيب، فإنه مع كونه مخالفا للمحصول واضح البطلان؛ لأن القياس هو التسوية وقد يقطع بتسوية الشيء بالشيء في حكمه المظنون كما تقدم إيضاحه، ومثال ذلك من خارج أن الإجماع منعقد على تسوية الخالة بالخال في الإرث أي: توريثها أيضا، كما ورثناه بمقتضى قوله -صلى الله عليه وسلم: "الخال وارث من لا وارث له" 1 وعلى تقدير ثبوته، فالإرث مظنون والتسوية مقطوع بها، نعم الحكم الثابت بالقياس المظنون لا يكون إلا مظنونا. واعلم أن في كلام المصنف نظرا من وجهين, أحدهما: أن تقسيم القياس إلى أدون أراد به ضعف العلة، يعني: أن ما فيها من المصلحة أو المفسدة دون ما في الأصل، فهذا يقتضي أن لا يجوز القياس؛ لأن شرطه وجود العلة بكمالها في الفرع كما سيأتي، وإن أراد به شيئا آخر فلا بد من بيانه. الثاني: أن الحكم على تحريم الضرب وغيره من أمثلة فحوى الخطاب بأنه من باب القياس, يقتضي أن اللفظ لا يدل عليه؛ لأن القياس إلحاق مسكوت عنه بملفوظ به، لكنه قد ذكر قبيل الأوامر والنواهي أن اللفظ يدل عليه بالالتزام، وسماه مفهوم موافقة، وهذا وارد أيضا على كلام الإمام وأتباعه، وتقدم التنبيه عليه واضحا، ومنهم من قال: المنع من التأفيف منقول بالعرف عن موضوعه اللغوي وهو التلفظ بأف إلى المنع من أنواع الأذى كما سيأتي ذكره والاستدلال عليه, فعلى هذا يكون الضرب ثابتا بالمنطوق لا بالمفهوم كما زعمه بعض الشارحين, فتحصلنا على ثلاثة مذاهب ذكرها من تكلم على المحصول، والذي اختاره المصنف هنا وهو كونه قياسا نقله في البرهان عن معظم الأصوليين, ونص عليه الشافعي في الرسالة في أواخر باب تثبيت خبر الواحد. ثم قال: وقد يمتنع بعض أهل العلم أن يسمي هذا قياسا، واعلم أنا إذا قلنا: إنه يكون قياسا فيكون قطعيا بلا نزاع إلا على الوهم السابق فاعرفه. "قوله: قيل: تحريم" أي: استدل القائل بأن التأفيف يدل على تحريم أنواع الأذى بثلاثة أوجه، أحدها: ما فهم أهل العرف له، وجوابه أنه لو كان كذلك لم يحسن من الملك إذا استولى على عدوه أن يأمر الجلاد بقتله وينهاه عن الاستخفاف به، لكون النهي عن الاستخفاف على هذا التقدير يدل بالالتزام على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015