والتراب يشوه، وأما بيان الأحكام التي لا مجال للعقل فيها فلأنه تعالى أوجب للتعفيف أي: غض البصر بالنسبة إلى الحرة الشوهاء شعرها وبشرتها مع أن الطبع لا يميل إليها، دون الأمة الحسناء التي يميل إليها الطبع. ويحتمل أن يريد المصنف بالتعفف وجوب الستر، أو يريد به كون الواطئ للحرة يصير محصنا دون واطئ الأمة، وأيضا فلأنه تعالى أوجب القطع في سرقة القليل دون غصب الكثير, وأوجب الجلد على القاذف بالزنا دون الكفر، أي: بخلاف القاذف الكفر كما قاله في المحصول1، وشرط في شهادة الزنا شهادة أربعة رجال واكتفى في الشهادة على القتل باثنين مع كونه أغلظ من الزنا، وأجاب المصنف بأنا إنما ندعي وجوب العمل بالقياس حيث عرف المعنى أي: العلة الجامعة مع انتفاء المعارض. وغالب الأحكام من هذا القبيل، وما ذكرتم من الصور فإنها نادرة لا تقدح في حصول الظن الغالب, لا سيما والفرق بين المتماثلات يجوز أن يكون لانتفاء صلاحية ما يوهم أنه جامع، أو لوجود معارض، وكذلك المختلفات يجوز اشتراكها في معنى جامع، وقد ذكر الفقهاء معاني هذه الأشياء. قال: "الثانية: قال النظام والبصري وبعض الفقهاء: إن التنصيص على العلة أمر بالقياس، وفرق أبو عبد الله بين الفعل والترك. لنا أنه إذا قال: حرمت الخمر لكونها مسكرة, يحتمل عليه الإسكار مطلقا، وعلية إسكارها، قيل: الأغلب عدم التقييد، قلنا: فالتنصيص وحده لا يفيد, قيل: لو قال: علة الحرمة الإسكار لاندفع الاحتمال, قلنا: فيثبت الحكم في كل الصور بالنص". أقول: ذهب النظام وأبو الحسين البصري وجماعة من الفقهاء وكذا الإمام أحمد كما نقله ابن الحاجب إلى أن التنصيص على علة الحكم أمر بالقياس مطلقا, سواء كان في طرف الفعل كقوله: تصدقوا على هذا لفقره أو الترك كقوله: حرمت الخمر لإسكارها. وقال أبو عبد الله البصري: التنصيص على علة الفعل لا يكون أمرا بالقياس بخلاف علة الترك, والصحيح عند الإمام والآمدي وأتباعهما أنه لا يكون أمرا به مطلقا, بل لا بد في القياس من دليل يدل عليه ونقله الآمدي عن أكثر الشافعية ولم يصرح المصنف بالمذهب المختار لإشعار الدليل به, والذي نقله هنا عن النظام هو المشهور عنه وعلى هذا فيكون النقل المتقدم عنه وهو استحالة القياس إنما محله عند عدم التنصيص على العلة, ونقل عنه الغزالي في المستصفى أن التنصيص على العلة يقتضي تعميم الحكم في جميع مواردها بطريق عموم اللفظ لا بالقياس. قوله: "لنا" أي: الدليل على ما قلناه أن الشارع إذا قال مثلا: حرمت الخمر لكونها مسكرة, فإنه يحتمل أن يكون علة الحرمة هو الإسكار مطلقا, ويحتمل أن يكون إسكار الخمر بحيث يكون قيد الإضافة إلى الخمر معتبرا في العلة؛ لجواز اختصاص إسكارها بترتب مفسدة عليه دون إسكار النبيذ، وإذا احتمل الأمران