والقياس ظني فلا يغني شيئا, وأجاب المصنف بأن الحكم بمقتضى القياس مقطوع به، والظن وقع في الطريق الموصلة إليه، كما تقدم تقديره في حد الفقه، وهذا الجواب ليس شاملا للآية الأولى، ولا للآية الرابعة، بل الجواب عن الأولى أنه لما أمرنا الله تعالى ورسوله بالقياس، لم يكن القول به تقديما بين يدي الله ورسوله، والجواب عن الرابعة أنه يستحيل أن يكون المراد منها اشتمال الكتاب على جميع الأحكام الشرعية من غير واسطة, فإنه خلاف الواقع بل المراد دلالتها من حيث الجملة سواء كان بوسط أو بغير وسط، وحينئذ فلا يلزم من ذلك عدم الاحتياج إلى القياس؛ لأن الكتاب على هذا التقدير لا يدل على بعضها إلا بواسطة القياس, فيكون القياس محتاجا إليه. قوله: الثاني أي: الدليل الثاني على إبطال القياس: السنة وهو الحديث الذي ذكره المصنف ودلالته ظاهرة. قوله: "الثالث" أي: الدليل الثالث: الإجماع، فإن بعض الصحابة قد ذمه كما تقدم إيضاحه في أدلة الجمهور، وسكت الباقون عنه فكان إجماعا, وأجاب المصنف عن السنة والإجماع بأنهما معارضان بمثلهما، إذا سبق أيضا فيجب التوفيق بينهما بأن يحمل العمل به على القياس الصحيح وإنكاره على القياس الفاسد. قوله: "الرابع" أي: الدليل الرابع: أن الإمامية من الشيعة قد نقلوا عن العترة يعني: أهل البيت إنكارا للعمل بالقياس وإجماع العترة حجة، وجوابه أن نقل الإمامية معارض بنقل الزيدية، فإنهم من الشيعة أيضا، وقد نقلوا إجماع العترة على العمل بالقياس على أنه تقدم أن إجماعهم ليس بحجة. قوله: "الخامس" أي: الدليل الخامس: المعقول، وهو أن القياس يؤدي إلى الخلاف والمنازعة بين المجتهدين للاستقراء، ولأنه تابع للأمارات والأمارات مختلفة، وحينئذ فيكون ممنوعا لقوله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46] . وأجاب في المحصول بأن هذا الدليل بعينه قائم في الأدلة العقلية، فما كان جوابا لهم كان جوابا لنا، وأجاب المصنف بأن الآية إنما وردت في الآراء والحروب لقرينة قوله تعالى: {فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ، فأما التنازع في الأحكام فجائز لقوله -عليه الصلاة والسلام: "اختلاف أمتي رحمة" وهذا الجواب لم يذكره الإمام ولا صاحب الحاصل. قوله: "السادس" أي: الدليل السادس وهو من المعقول أيضا, وعليه اعتمد النظام: أن الشارع فرق بين المتماثلات وجمع بين المختلفات، وأثبت أحكاما لا مجال للعقل فيها، وذلك كله ينافي القياس لأن مدار القياس على إبداء المعنى، وعلى إلحاق صورة بصورة أخرى تماثلها في ذلك المعنى, وعلى التفريق بين المختلفات كما ستعرفه من قبول الفرق عند إبداء الجامع، أما بيان التفريق بين المتماثلات فإن الشارع قد فرق بين الأزمنة في الشرف, ففضل ليلة القدر والأشهر الحرم على غيرهما، وكذلك الأمكنة كتفضيل مكة والمدينة مع استواء الزمان والمكان في الحقيقة، وفرق أيضا بين الصلوات في القصر فرخص في قصر الرباعية دون غيرها، وأما بيان الجمع بين المختلفات؛ فلأنه جمع بين الماء والتراب في جواز الطهارة بهما في أن الماء ينظف