المصنف بأن الذين نقل لهم أو عنهم إنكاره هم الذين نقل عنهم القول به, فلا بد من التوفيق بين النقلين، فيحمل الأول على القياس الصحيح، والثاني على الفاسد توفيقا بين النقلين وجمعا بين الروايتين. "قوله تعالى" أي: الدليل الرابع وهو الدليل, أن المجتهد إذا غلب على ظنه كون الحكم في الأصل معللا بالعلة الفلانية ثم وجد تلك العلة بعينها في الفرع, يحصل له بالضرورة ظن ثبوت ذلك الحكم في الفرع، وحصول الظن بالشيء مستلزم لحصول الوهم بنقيضه، وحينئذ فلا يمكنه أن يعمل بالظن والوهم لاستلزامه اجتماع النقيضين, ولا أن يترك العمل بهما لاستلزامه ارتفاع النقيضين، ولا أن يعمل بالوهم دون الظن؛ لأن العمل بالمرجوح مع وجود الراجح ممتنع شرعا وعقلا، فتعين العلم بالظن، ولا معنى لوجوب العمل بالقياس إلا ذلك، وهذا الدليل قد تقدم الكلام عليه في تعريف الفقه. قال: "احتجوا بوجوه, الأول: قوله تعالى: {لا تُقَدِّمُوا} {وَأَنْ تَقُولُوا} {وَلا تَقْفُ} [الإسراء: 36] {وَلا رَطْبٍ} [الأنعام: 59] {وَإِنَّ الظَّن} [النجم: 28] قلنا: إن الحكم مقطوع والظن في طريقه. الثاني: قوله -عليه الصلاة والسلام: "تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب وبرهة بالسنة وبرهة بالقياس, فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا" 1 الثالث: ذم بعض الصحابة له من غير نكير، قلنا: معارضان بمثلهما فيجب التوفيق. الرابع: نقل الإمامية إنكاره عن العترة قلنا: معارض بنقل الزيدية. الخامس: أنه يؤدي إلى الخلاف والمنازعة, وقد قال الله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46] قلنا: الآية في الآراء والحروب لقوله -عليه الصلاة والسلام: "اختلاف أمتي رحمة" 2 السادس: الشارع فصل بين الأزمنة والأمكنة في الشرف، والصلوات في القصر، وجمع بين الماء والتراب في التطهير، وأوجب التعفف على الحرة الشوهاء دون الأمة الحسناء، وقطع سارق القليل دون غاصب الكثير, وجلد بقذف الزنا, وشرط فيه شهادة أربعة دون الكفر، وذلك ينافي القياس، قلنا: القياس حيث عرف المعنى". أقول: احتج المنكرون للقياس بستة أوجه من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول, الأول: الكتاب وهو آيات, فمنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] والقول بمقتضى القياس تقديم {بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} لكونه قولا بغير الكتاب والسنة، ومنها قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ووجه الدلالة أن الحكم الثابت بالقياس غير معلوم لكونه متوقفا على أمور لا يقطع بوجودها, فلا يجوز العمل به للآية، ومنها قوله تعالى: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] فإنه يدل على اشتمال الكتاب على الأحكام كلها، وحينئذ فلا يجوز العمل بالقياس؛ لأن شرطه فقدان النص، ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]