وجب قبوله أيضا. قال: وليس في الحالتين دليل على العمل بالمرسل, وحاصل هذا الجواب منع كون ذلك من المرسل, وأنه لا يقبل إذا تيقنا أن الصحابي لم يسمعه كما أن مرسل غير الصحابي لا يقبل أيضا. وهذا موافق لكلامه أولا؛ فإنه أطلق عدم قبول المرسل، ولم يفصل بين الصحابي وغيره فافهم ذلك كله واجتنب غيره. واختلف المانعون من قبول مراسيل الصحابة، مع أن المروي عنه صحابي مثله والصحابة عدول فقال بعضهم: لاحتمال روايته له عن التابعين، وقال القرافي: لاحتمال روايته عن صحابي قام به مانع, كماعز وسارق رداء صفوان. قال: "فرعان: الأول: المرسل، يقبل إذا تأكد بقول الصحابي أو فتوى أكثر أهل العلم. الثاني: إن أرسل ثم أسند قُبِل, وقيل: لا؛ لأن إهماله يدل على الضعف". أقول: المرسل إذا تأكد بشيء بحيث يغلب على الظن صدقه فإنه يقبل، ويحصل ذلك بأمور، منها أن يكون من مراسيل الصحابة أو أسنده غير مرسله، وإن لم تقم الحجة بإسناده لكونه ضعيفا كما صرح به في المحصول, أو أرسله راوٍ آخر يروي من غير شيوخ الأول, أو عضده قولصحابي, أو قول أكثر أهل العلم أو عرف من حال الذي أرسله أنه لا يرسله إلا عمن يقبل قوله كمراسيل سعيد، وهذه الستة نص عليها الشافعي، وممن نقلها عنه الآمدي وكذا الإمام، ما عدا الأول، وزاد غيرهما على هذه الستة القياس أيضا. واقتصار المصنف على شيئين فقط لا معنى له، ومخالف لأصليه: الحاصل والمحصول, فإن قيل: ما فائدة قبوله والأخذ به إذا تأكد بقياس أو بمسند آخر صحيح, مع أن القياس والمسند كافيان في إثبات الحكم؟ قلنا: فائدته في الترجيح عند تعارض الأحاديث, فإن أحد الحديثين المقبولين يرجح على الآخر، إذا عضده قياس أو حديث آخر مقبول, وقد اعتقد ابن الحاجب أن هذا السؤال لا جواب له وليس كذلك لما قلناه. قوله: "الثاني ... إلخ" اعلم أن الراوي إذا أرسل حديثا مرة ثم أسند أخرى، أو وقفه على الصحابي ثم رفعه, فلا إشكال في قبوله، وبه جزم الإمام وأتباعه. وأما إذا كان الراوي من شأنه إرسال الأحاديث إذا رواها, فاتفق أن روى حديثا مسندا, ففي قبوله مذهبان في المحصول والحاصل من غير ترجيح، وهذه هي مسألة الكتاب فافهم ذلك, وأرجحهما عند المصنف قبوله لوجود شرطه, وعلى هذا قال الشافعي كما قال في المحصول1: لا أقبل شيئا من حديثه إلا إذا قال فيه: حدثني أو سمعت, دون غيرهما من الألفاظ الموهمة. وقال بعض المحدثين: لا يقبل إلا إذا قال: سمعت خاصة. والمذهب الثاني: لا يقبل؛ لأن إهماله لاسم الرواة يدل على علمه بضعفهم, إذ لو علم عدالتهم لصرح بهم، ولا شك أن تركه للراوي مع علمه بضعفه خيانة وغش، فإنه إيقاع في العمل بما ليس صحيحا, وإذا كان خائنا لم تقبل روايتهمطلقا، هذا حاصل ما قاله