لأنه تكلم في أسباب الرواية لا في أسباب العمل, وليس له أن يروي: هذا حدثنا ولا أخبرنا مطلقا ولا مقيدا، قال ابن الصلاح: لكن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان: حدثنا فلان، ويسوق السند والمتن. قال: "الثالثة: لا تقبل المراسيل خلافا لأبي حنيفة ومالك -رضي الله عنهما، لنا أن عدالة الأصل لم تعلم فلا تقبل, قيل: الرواية تعديل قلنا: قد يروي عن غير العدل قيل: إسناده إلى الرسول يقتضي الصدق, قلنا: بل السماع قيل: الصحابة أرسلوا وقبلت, قلنا: لظن السماع". أقول: لم يتعرض الإمام ولا أتباعه لتفسير المرسل، وهو في اصطلاح جمهور المحدثين عبارة عن أن يترك التابعي ذكر الواسطة بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسمي بذلك لكونه أرسل الحديث أي: أطلقه ولم يذكر من سمعه منه، فإن سقط قبل الصحابي واحد فيسمى منقطعا, وإن كان أكثر فيسمى معضلا ومنقطعا، وأما في اصطلاح الأصوليين فهو قول العدل الذي لم يلق النبي -صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هكذا فسره الآمدي، وذكر ابن الحاجب وغيره نحوه أيضا وهو أعم من تفسير المحدثين، وقد اختلفوا في قبوله؛ فذهب الشافعي -رضي الله عنه- إلى المنع منه إلا مسائل ستعرفها، واختاره الإمام والمصنف ونقله ابن الصلاح عن جمهور المحدثين وذهب الجمهور من المعتزلة كما قاله في المحصول إلى قبوله ونقله الآمدي عن الأئمة الثلاثة، واختاره حتى بالغ بعضهم فجعله أقوى من المسند؛ لأنه إذا أسنده فقد وكل أمره إلى الناظر ولم يلتزم صحته. وذهب ابن الحاجب إلى قبوله من أئمة النقل دون غيرهم, وذهب عيسى بن أبان إلى قبول مراسيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأئمة النقل مطلقا. قوله: "لنا" أي: الدليل على ردها: أن قبول الخبر مشروط بمعرفة عدالة الراوي، كما تقدم بيانه وعدالة الأصل في المرسل لم تعلم؛ لأن معرفتها فرع من معرفة اسمه, فإذا لم نعلمه تعين رده. تمسك الخصم بثلاثة أوجه؛ الأولان اعتراض على ما قلناه، والثالث دليل على مدعاه, أحدها: أن رواية العدل عن الأصل المسكوت عنه تعديل له؛ لأنه لو روى عمن ليس بعدل ولم يبين حالهلكان ملبسا غاشّا, قلنا: لا نسلم, فإن العدل قد يروي عن غير العدل أيضا؛ ولهذا لو سئل الراوي عن عدالة الأصل لجاز أن يتوقف, قال في المحصول: وقد يظن عدالته فيروي عنه وليس بعدل عند غيره. الثاني: أن إسناد الحديث المرسل إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقتضي صدقه؛ لأن إسناد الكذب ينافي العدالة, وإذا ثبت صدقه تعين قبوله. قلنا: لا نسلم أن إسناده يقتضي صدقه بل إنما يقتضي أن يكون قد سمع غيره يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك الغير لا يعلم كذبه بل يعلم صدقه أو يجهل حاله. الثالث: أن الصحابة أرسلوا أحاديث كثيرة أي: لم يصرحوا فيها بسماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم, بل قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأجمع الناس على قبولها. قلنا: إنما قبلت لأنه يغلب على الظن أن الصحابي سمعها من النبي -صلى الله عليه وسلم- والعمل بالظن واجب. قال في المحصول: فإذا بين الصحابي بعد ذلك أنه كان مرسلا وسمى الأصل الذي رواه عنه