فقدم لامتيازه عليه بهذا، ومساواته له في الظن. قوله: "وعمل الأكثر" أشار به إلى الأمر الثاني من الأمور الثلاثة المتقدمة، وهو مجرور عطفا على القياس، أي: لا يضره مخالفة القياس ولا مخالفة عمل الأكثرين؛ لأن الأكثرين ليسوا بحجة لكونهم بعض الأمة. قوله: "والراوي" أشار به إلى الأمر الثالث، وهو أيضا مجرور عطفا على القياس أيضا، وحاصله: أن عمل الراوي على خلاف ما رواه لا يكون قدحا في ذلك الحديث، كما نقله الإمام وغيره عن الشافعي واختاره هو وأتباعه والآمدي، ونقل في المعالم عن الأكثرين أنه يقدح، وقد تقدمت المسألة مبسوطة والاستدلال عليها في أثناء الخصوص. "فروع" حكاها في المحصول أحدها: خبر الواحد فيما تعم به البلوى مقبول, خلافا للحنفية. لنا قبول الصحابة خبر عائشة -رضي الله عنها- في التقاء الختانين، ولأن الخصم قد قبل أخبار الآحاد في القيء والرعاف والقهقهة في الصلاة ووجوب الوتر مع عموم البلوى فيها. الثاني: قال الشافعي رضي الله عنه: لا يجب عرض خبر الواحد على الكتاب، وقال عيسى بن أبان: يجب. الثالث مذهبنا: أن الأصل في الصحابة العدالة إلا عند ظهور المعارض، وهذا الذي صححه نقله ابن الحاجب عن الأكثرين، وأراد بالمعارض وقوع أحدهم في كبيرة, كما وقع لماعز من الزنا, ولسارق رداء صفوان, وغيرهما. "فرعان" حكاهما ابن الحاجب: الصحابي من رآه صلى الله عليه وسلم وإن لم يرو عنه ولم تطل مدته, ولو قال عدل معاصر النبي صلى الله عليه وسلم: أنا صحابي, احتمل الخلاف. قال: "وأما الثالث ففيه مسائل, الأولى: لألفاظ الصحابي سبع درجات, الأولى: حدثني ونحوه. الثانية: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لاحتمال التوسط. الثالثة: أمر لاحتمال اعتقاد ما ليس بأمر أمرا والعموم والخصوص والدوام واللا دوام. الرابعة: أمرنا وهو حجة عند الشافعي -رضي الله عنه؛ لأن من طاوع أميرا، إذا قاله فهم منه أمره, ولأن غرضه بيان الشرع. الخامسة: من السنة. السادسة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل: للتوسط. السابعة: كنا نفعل في عهده". أقول: لما تقدم في أول الفصل أن خبر الواحد له شروط, بعضها في المخبر وبعضها في المخبر عنه وبعضها في الخبر، وتقدم ذكر القسمين الأولين، شرع في الثالث وهو الخبر, فذكر فيه خمس مسائل, الأولى: في بيان ألفاظ الصحابي ومراتبها، وإلى النوعين أشار بقوله: سبع درجات, الدرجة الأولى: أن يقول: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو شافهني، أو أنبأني، أو أخبرني, أو سمعته يقول، ونحو ذلك. الثانية: أن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما كانت دون الأولى لاحتمال أن يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطة، لكنه لما كان الظاهر إنما هو المشافهة قلنا: إنه حجة. فقوله: لاحتمال التوسط تعليل لكونه أحط درجة مما قبله. واعتبر القاضي أبو بكر هذا الاحتمال فقال: إن الصحابة كلهم عدول قلنا: إنه حجة وإلا فلا. الثانية: أن يقول: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهى عن كذا، وإنما كانت دون الثانية لاشتراكها معها في احتمال التوسط، واختصاصها باحتمال اعتقاد ما ليس بأمر أمرا، وأيضا فليس فيه لفظ يدل على أنه أمر الكل، أو البعض دائما, أو غير دائم,