على الأصل، ورد ذلك بأن عدالة الراوي تغلب على الظن صدقه، والعمل بالظن واجب. "فروع" من المحصول أحدها: لا يتوقف الأخذ بالحديث على انتفاء الغرابة المقتضية لرد الشهادة، ولا على معرفة نسب الراوي، وعلمه بالعربية أو كونه عربيا أو ذكرا أو بصيرا. الثاني: إذا أكثر من الروايات قلة مخالطته لأهل الحديث، فإن أمكن تحصيل ذلك القدر في ذلك الزمان قبلت، وإلا فلا. الثالث: إذا لم يعرف نسبه وكان له اسمان وهو بأحدهما أشهر، جازت الرواية عنه، فإن كنت مترددا بينهما وهو بأحدهما مجروح والآخر معدل فلا. الرابع: زعم أكثر الحنفية أن الأصل إذا رد الحديث سقط الاستدلال به مطلقا، والمختار أنه إن كان قول الفرع أقوى في الإثبات من قول الأصل، كما إذا كان الفرع جازما، والأصل غير جازم, فإنه يقبل سواء استوى الاحتمالان اللذان عند الأصل أم لا، وإن كان الأقوى هو كلام الأصل، أو كانا سواء فالأمر كما قالوا. قال: "وأما الثاني فإن لا يخالفه قاطع ولا يقبل التأويل، ولا يضره مخالفة القياس، وما لم يكن قطعي المقدمات، بل يقدم لقلة مقدماته, وحمل الأكثر والراوي". أقول: لما تقدم في أول الفصل أن العمل بخبر الواحد له شروط بعضها في المخبر وبعضها في المخبر عنه وبعضها في الخبر، وذكر شرط الأول وهو المعتبر, شرع الآن في شرط الثاني وهو المخبر عنه، وحاصله أن خبر الواحد لا يجوز التمسك به إذا عارضه دليل قاطع أي: دليل لا يحتمل التأويل بوجه, سواء كان نقليا أو عقليا لانعقاد الإجماع على تقديم المقطوع به على المظنون، اللهم إلا إذا كان الخبر قابلا للتأويل, فإنا نؤوله جمعا بين الأدلة وإليه أشار بقوله: ولا يقبل التأويل وهو جملة خالية من المفعول، وهو الهاء في: يخالفه ويقع في بعض النسخ إسقاط الواو، ومع ذلك فالجملة عائدة إلى المفعول أيضا، فإنه الصواب الموافق لتقرير أصليه وهما: الحاصل والمحصول. قوله: "ولا يضره" أي: لا يضر خبر الواحد مخالفته لثلاثة أمور، الأول: القياس وتقريره أنه إذا تعارض القياس وخبر الواحد فإن أمكن تخصيص الخبر بالقياس فقد تقدم في العموم أنه يجوز، وإن أمكن العكس فسيأتي في القياس أنه يجوز أيضا، وإن تنافيا من كل وجه نظرنا في مقدمات القياس، وهي ثبوت حكم الأصل, وكونه معللا بالعلة الفلانية، وحصول تلك العلة في الفرع وانتفاء المانع، فإن كانت ثابتة بدليل قطعي قدمنا القياس على خبر الواحد، ولم يستدل عليه المصنف لوضوحه, وإن لم تكن قطعية بأن كانت هي أو بعضها ظنية فإنه يقدم خبر الواحد على الصحيح, ونص عليه الشافعي في مواضع ونقله عنه الإمام, وقال مالك: يقدم القياس، وقال القاضي بالوقف وهذا الخلاف خصصه في المحصول بما إذا كان البعض قطعيا والبعض ظنيا وعممه بعضهم, ثم استدل المصنف على تقديم الخبر بأن مقدماته أقل من مقدمات القياس؛ لأن الخبر يجتهد فيه في العدالة وكيفية الرواية، وأما القياس ففي الأمور المتقدمة كلها وإذا كانت مقدماته أقل, كأن تطرق الخلل إليه أقل