المصنف لوضوحه. قال: "الرابع: الضبط وعدم المساهلة في الحديث, وشرط أبو علي العدد, ورد بقبول الصحابة خبر الواحد, قال: طلبوا العدد قلنا: عند التهمة. الخامس: شرط أبو حنيفة -رضي الله عنه- فقه الراوي إن خالف القياس, ورد بأن العدالة تقلب ظن الصدق فيكفي". أقول: لما فرغ من المسائل الأربع الواقعة في الوصف الثالث من الأوصاف المعتبرة في المخبر، رجع إلى الوصف الرابع وهو الأمن من الخطأ, ويحصل بشيئين أحدهما: الضبط فإن كان الشخص لا يقدر على الحفظ أو يقدر عليه ولكن يعرض له السهو غالبا فلا تقبل روايته, وإن كان عدلا؛ لأنه قدم على الرواية ظانا أنه ضبطها وماسها، والأمر بخلافه. الثاني: عدم التساهل, فإن تساهل فيه بأن كان يروي وهو غير واثق به مثلا رددناه, وهذا الشرط ذكره في المحصول بعد هذه المسألة ثم قال: فإن تساهل في غير الحديث واحتاط في الحديث قبلنا روايته على الرأي الأظهر؛ فلذلك قيده المصنف بقوله: في الحديث. قوله: "وشرط أبو علي العدد" أي: فلم يقبل في الزنا إلا خبر أربعة ولم يقبل في غيره إلا خبر اثنين، ثم لا يقبل خبر كل واحد منهما إلا برجلين آخرين, إلى أن ينتهي إلى زماننا كما نقله عنه الغزالي في المستصفى ومنع خبر العدل الواحد. قال في المحصول: إلا إذا عضده ظاهر، أو عمل بعض الصحابة، أو اجتهاد, أو يكون منتشرًا, ورده المصنف بقبول الصحابة خبر الواحد من غير إنكار كقبولهم خبر عائشة في التقاء الختانين وخبر الصديق في قوله -عليه الصلاة والسلام: "الأنبياء يدفنون حيث يموتون"، وفي قوله: "الأئمة من قريش" وفي قوله: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" ورجوعهم إلى كتابه في معرفة نصب الزكوات, وكقبول عمر من عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب, ونظائره كثيرة واستدل الجبائي بأن الصحابة طلبوا العدد في وقائع كثيرة ولم يقتصروا على خبر الواحد, فمنها أن أبا بكر لم يعمل بخبر المغيرة في توريث الجدة إلى أن أخبره بذلك محمد بن مسلمة, ومنها أن أبا بكر وعمر لم يقبلا خبر عثمان -رضي الله عنهم- فيما رواه من إذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رد الحكم بن أبي العاص وطالباه بمن يشهد معه، ومنها أن عمر رد خبر أبي موسى في الاستئذان وهو قوله: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا استأذن أحدكم على صاحبه ثلاثا فلم يؤذن له, فلينصرف" 1 حتى رواه معه أبو سعيد الخدري، إلى غير ذلك من الوقائع، والجواب أنهم إنما طلبوا العدد عند التهمة والريبة في صحة الرواية؛ لنسيان أو غيره، وهذا هو الجمع بين قبولهم تارة وردهم أخرى. قوله: "الخامس" أي: الوصف الخامس فقه الراوي، وهذا الوصف شرطه أبو حنيفة إذا كان الخبر مخالفا للقياس؛ لأن العمل بخبر الواحد على خلاف الدليل، خالفناه إذا كان الراوي فقيها لحصول الوثوق بقوله, فيبقى فيما عداه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015