المصنف. قال: "الرابعة: الفعلان لا يتعارضان, فإن عارض فعله الواجب اتباعه قولا متقدما نسخه. وإن عارض متأخرا عاما فبالعكس، وإن اختص به نسخه في حقه, وإن اختص بنا خصنا في حقنا قبل الفعل, ونسخ عنا بعده, وإن جهل التاريخ فالأخذ بالقول في حقنا؛ لاستبداده". أقول: التعارض بين الأمر هو تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه, ولا يتصور التعارض بين الفعلين بحيث يكون أحدهما ناسخا للآخر أو مخصصا له؛ لأنه إذا لم تتناقض أحكامهما فلا تعارض وإن تناقضت فكذلك أيضا؛ لأنه يجوز أن يكون الفعل في وقت واجبا وفي مثل ذلك الوقت بخلافه من أن يكون مبطلا لحكم الأول؛ لأنه لا عموم للأفعال بخلاف الأقوال، نعم إذا كان مع الفعل الأول قول مقتضٍ لوجوب تكراره, فإن الفعل الثاني قد يكون ناسخا أو مخصصا لذلك القول كما سيأتي, لا للفعل فلا يتصور التعارض بين الفعلين أصلا، بل إما أن تقع بين القولين، وقد ذكر المصنف حكمه في الكتاب السادس، أو بين القول والفعل وقد ذكره المصنف ههنا, وله ثلاثة أحوال أحدها: أن يكون القول متقدما. والثاني: عكسه، والثالث: أن يجهل الحال. قوله: "فإن عارض فعله الواجب ... إلخ" هذا هو الحال الأول، وحاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلا وقام الدليل على أنه يجب علينا اتباعه فيه فإنه يكون ناسخا للقول المتقدم عليه, المخالف له، سواء كان ذلك القول عاما كما إذا قال: صوم يوم كذا واجب علينا ثم أفطر ذلك اليوم وقام الدليل على اتباعه، كما فرضنا أو كان خاصا به أو خاصا بنا، واحترز بقوله: الواجب اتباعه عما إذا لم يدل دليل على أنه يجب علينا أن نتبعه في ذلك الفعل، فإنه يستثنى منه صورة واحدة لا يكون فيها ناسخا بل مخصصا، وهو ما إذا كان القول المتقدم عاما ولم يصل بمقتضاه؛ لأنه إذا عمل بمقتضاه أو كان خاصا به عليه الصلاة والسلام كان ناسخا, وإن كان خاصا به عليه الصلاة والسلام كان ناسخا, وإن كان خاصا بنا فلا تعارض أصلا، ولم يذكر المصنف حكم الفعل الذي لم يقم الدليل على وجوب اتباعه فيه في شيء من الأقسام؛ لعدم الفائدة بالنسبة إلينا. قوله: "وإن عارض متأخرا" هذا هو الحال الثاني وهو أن يكون القول متأخرا عن الفعل المذكور، وهو الذي دل الدليل على أنه يجب علينا اتباعه فيه فنقول: إن لم يدل الدليل على وجوب تكرار الفعل فلا تعارض أصلا بينه وبين القول المتأخر أصلا، وتركه المصنف لظهوره, وإن دل الدليل على وجوب تكراره عليه وعلى أمته, فالقول المتأخر قد يكون عاما أي: متناولا له صلى الله عليه وسلم ولأمته, وقد يكون خاصا به, وقد يكون خاصا بنا, فإن كان عاما فإنه يكون ناسخا للفعل المتقدم، كما إذا صام عاشوراء مثلا وقال: الدليل على وجوب تكراره وعلى تكليفنا به، وقال: لا يجب علينا صيامه، وإليه أشار بقوله: "وإن عارض متأخرا عاما فالعكس" أي: وإن عارض فعله الواجب اتباعه قولا متأخرا عاما فإنه يكون القول ناسخا للفعل، وإن كان خاصا به صلى الله عليه وسلم, كما إذا قال في المثال المذكور: لا يجب علي