صيامه فليس فيه تعارض بالنسبة إلى الأمة لعدم تعلق القول بهم فيستمر تكليفهم به، وأما في حقه -صلى الله عليه وسلم- فإن القول يكون ناسخا للفعل, وإليه أشار بقوله: وإن اختص به نسخه في حقه، وإن كان خاصا بنا، كما إذا قال في المثال المذكور: لا يجب عليكم أن تصوموا, فلا تعارض فيه بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيستمر تكليفه به، وأما في حقنا فإنه يدل على عدم التكليف بذلك الفعل, ثم إن ورد قبل صدور الفعل منا كان مخصصا أي: مبينا لعدم الوجوب، وإن ورد بعد صدور الفعل فلا يمكن حمله على التخصيص؛ لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة فيكون ناسخا لفعله المتقدم، والتفصيل المذكور إنما يأتي إذا كانت دلالة الدليل الدال على وجوب اتباع الفعل بطريق الظهور، كما إذا قال: هذا الفعل واجب علينا أو على المكلفين، وأما إذا كان بطريق القطع كما إذا قال: إنه واجب علي وعليكم, فلا يمكن حمل القول المتأخر على التخصيص بل يكون ناسخا مطلقا. ثم إن هذا كله فيما إذا كان الفعل المتقدم مما يجب اتباعه كما تكلم فيه المصنف, فإن لم يكن كذلك فلا تعارض فيه بالنسبة إلى الأمة؛ لأن الفعل لم يتعلق بهم. وأما بالنسبة إليه فإن كان الفعل مما دل الدليل على وجوب تكراره عليه وكان القول المتأخر خاصا به صلى الله عليه وسلم, أو متناولا له وللأمة بطريق النص، كقوله: لا يجب علي وعليكم فيكون القول ناسخا للفعل، وإن كان متناولا ولا بطريق الظهور كقوله: لا يجب علينا فيكون الفعل السابق مخصصا لهذا العموم؛ لأن المخصص لا يشترط تأخره عن العام عندنا، وأهمل المصنف ذلك كله؛ لأنه لا يخفى. قوله: "فإن جهل" هذا هو الحال الثالث، وهو أن يكون المتأخر من القول والفعل مجهولا, فإن أمكن الجمع بينهما بالتخصيص أو غيره فلا كلام، وإن لم يكن الجمع ففيه ثلاثة مذاهب جارية فينا لفائدة العمل. وفيه عليه الصلاة والسلام لمعرفة ما كان يجب عليه مثلا أو يحرم، أحدها وهو المختار في الأحكام والمحصول ومختصراته: أنه يقدم القول لكونه مستقلا بالدلالة موضوعا لها، بخلاف الفعل فإنه لم يوضع للدلالة وإن دل فإنما يدل بواسطة القول. والثاني: أنه يقدم الفعل لأنه أبين وأوضح في الدلالة ولهذا يبين به القول كخطوط الهندسة. والثالث: أنا نتوقف إلى الظهور لتساويهما في وجوب العمل، واختار ابن الحاجب التوقف بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بالقول بالنسبة إلى الأمة، وفرق بينهما بأننا متعبدون بالعمل فأخذ بالقول لظهوره، ولا ضرورة بنا إلى الحكم بأحدهما بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام، ووافق المصنف مختار الجمهور بالنسبة إلى الأمة، وسكت عن القسم الآخر، وإليه أشار بقوله: "فالأخذ بالقول في حقنا لاستبداده" أي: لاستقلاله وهو ظاهر في اختيار ما اختاره ابن الحاجب. قال: "الخامسة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قبل النبوة تعبد بشرع وقيل: لا وبعدها, فالأكثر على المنع قيل: أمر بالاقتباس و"يكذبه انتظاره" الوحي وعدم مراجعته ومراجعتنا، قيل: راجع في الرجم قلنا: للإلزام، استدل بآيات أمر فيها باقتفاء