كالركوعين في الخسوف, والندب بقصد القربة مجردا, وكونه قضاء لمندوب". أقول: لما تقدم أن المتابعة مأمور بها وأن شرط المتابعة العلم بجهة الفعل وأن فعله المجرد لا يدل على حكم معين, شرع المصنف في بيان الطرق التي تعلم بها الجهة. وقد تقدم أن فعله منحصر في الوجوب والندب والإباحة، وحينئذ فالطريق قد تعم الثلاثة، وقد تخص بعضها فالعام أربعة أشياء، أحدها: التنصيص بأن يقول: هذا الفعل واجب أو مندوب أو مباح. الثاني: التسوية ومعناه أن يفعل فعلا ثم يقول: هذا الفعل مثل الفعل الفلاني, وذلك الفعل علمت جهته, ولم يصرح الإمام ولا مختصرو كلامه بالتسوية. نعم ذكروا أنه يعلم أيضا بالتخيير بينه وبين فعل ثبتت جهته, قالوا: لأن التخيير لا يكون إلا بين حكمين مختلفين أي بين واجب ومندوب، أو مندوب ومباح. ولما كان التخيير بين الفعلين على هذا التقرير تسوية بينهما عبر المصنف بالتسوية؛ لأنها أعم وهو من محاسن كلامه. الثالث: أن يعلم بطريق من الطرق أن ذلك الفعل امتثال لآية دلت على أحد الأحكام الثلاثة بالتعيين, وإليه أشار بقوله: أو بما علم أنه امتثال آية، وهو معطوف على قوله: بتنصيصه وما فيه مصدرية تقديره: أو يعلمنا أنه. الرابع: أن يعلم أن ذلك الفعل بيان لآية مجملة دلت على أحد الأحكام حتى إذا دلت الآية على إباحة شيء مثلا، وذلك الشيء مجمل، وبينه بفعله فإن ذلك الفعل يكون مباحا؛ لأن البيان كالمبين, وإليه أشار بقوله: أو بيانها, وهو مرفوع عطفا على قوله: امتثال، وهكذا ذكره الإمام هنا، فتابعوه عليه. وفيه نظر لأن البيان واجب عليه، فيكون الفعل المبين يقع واجبا، غير أن فعله لا يجب علينا, وقد صرح الإمام بذلك في باب المجمل والمبين. قوله: "وخصوصا" أي: ويعلم خصوصا الوجوب بثلاثة أشياء, أحدها: بالأمارات الدالة على كون الشيء واجبا كالأذان والإقامة في الصلاة. الثاني: أن يكون موافقا لفعل نذكره كما إذا قال: إن هزم العدو, فلله علي صوم الغد فصام الغد بعد الهزيمة. الثالث: أن يكون الفعل ممنوعا لو لم يكن واجبا كالركوع الثاني في الخسوف، وبهذا الطريق يستدل على وجوب الختان لكنه ينتقض بسجود السهو وسجود التلاوة في الصلاة وغيرها، وبرفع اليدين على التوالي في تكبيرات العيد وفي المحصول ومختصراته أنه يعلم أيضا بكونه قضاء الواجب والعجب من ترك المصنف له مع ذكره إياه في المندوب. قوله: "والندب" أي: ويعلم خصوصا الندب بأمرين أحدهما: أن يعلم أنه قصد القربة وتجرد ذلك عن أمارة تدل على خصوص الوجوب أو الندب, فإنه يدل على أنه مندوب لأن الأصل عدم الوجوب. الثاني: كون الفعل قضاء لمندوب فإنه يكون مندوبا أيضا، وفي المحصول ومختصراته أنه يعلم أيضا بأن يداوم على الفعل ثم يتركه من غير نسخ، وأنه يعلم المباح بخصوصه بأن يفعل فعلا ليس عليه أمارة على شيء لأنه لا يفعل محرما ولا مكروها، والأصل عدم الوجوب والندب. وهذا مخالف لما ذكره قبيل ذلك من ترجيح الوقف فلذلك حذفه