المصنف عليه. قوله: "وبالندب" أي: واحتج القائل بالندب بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 41] فإن وصف الأسوة بالحسنة يدل على الرجحان، والوجوب منتفٍ لكونه خلاف الأصل, ولقوله: {لَكُمْ} لم يقل عليكم فتعين الندب ولم يجب المصنف هنا عن هذا بل جمع بينه وبين دليل الإيجاب، وأجاب عنهما بجواب واحد, وهو أن الأسوة والمتابعة شرطهما العلم بصفة الفعل كما سيأتي. قوله: "وبالجوب" أي: واحتج القائل بالوجوب بالنص والإجماع. أما النص فلأمور منها قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ} والأمر للوجوب. ومنها قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] فإنه يدل على أن محبة الله تعالى مستلزمة للمتابعة، ومحبة الله تعالى واجبة إجماعا، ولازم الواجب واجب، فتكون المتابعة واجبة. ومنها قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] ووجه الدلالة على أن الأخذ هنا معناه الامتثال، ولا شك أن الفعل الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آتانا إياه فيكون امتثاله واجبا للآية، وأما الإجماع فلأن الصحابة اختلفوا في وجوب الغسل من الجماع بغير إنزال, فسأل عمر عائشة -رضي الله عنها- فقالت: "فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" فأجمعوا على الوجوب, وأجيب عن الدليلين الأولين بوجهين أحدها: أن المتابعة المأمور بها مطلقة لا عموم لها. الثاني وعليه اقتصر المصنف: أن المتابعة هي الإتيان بمثل فعله على الوجه الذي أتى به من الوجوب، أو غيره حتى لو فعله الرسول على قصد الندب مثلا ففعلناه على قصد الإباحة أو الوجوب، لم تحصل المتابعة؛ وحينئذ فيلزم أن يكون الأمر بالمتابعة موقوفا على معرفة الجهة، فإذا لم تعلم لم نكن مأمورين بها. وفي المحصول والأحكام وغيرهما أن التأسي والمتابعة معناهما واحد؛ فلذلك جعل المصنف جواب المتابعة جوابا عن التأسي الذي استدل به القائل بالندب كما تقدم. وذكر الآمدي للمتابعة والتأسي شرطا ثالثا فقال: هو الإتيان بمثل ما فعل الغير على الوجه الذي أتى به لكونه أتى به، إذ لا يقال في أقوام صلوا الظهر مثلا: إن أحدهم تأسى بالآخر، وهذا الشرط ذكره أيضا الإمام في الكلام على حجية الإجماع. والجواب عن الآية الثالثة أن قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ} معناه وما أمركم، ويدل عليه أنه ذكر في مقابلته قوله: {وَمَا نَهَاكُم} ، وأما الإجماع على وجوب الغسل فأجاب عنه صاحب الحاصل بأن الصحابة لم يرجعوا إلى مجرد الفعل. قال: بل لأنه فعل في باب المناسك، وقد كانوا مأمورين بأخذ المناسك عنه لقوله: "خذوا عني مناسككم" هذا لفظه فتبعه عليه المصنف وهو جواب صحيح، فإنه وإن كان سبب وروده إنما هو الحج لكن اللفظ عام. قال الجوهري: والنسك العبادة، والناسك العابد. قال: "الثالثة: جهة فعله تعلم إما بتنصيصه أو بتسويته بما علم جهته أو بما علم أنه امتثال آية دلت على أحدها أو بيانها، وخصوصا الوجوب بأماراته كالصلاة بأذان وإقامة، وكونه موافقة نذر، أو ممنوعا لو لم يجب