على أقوال أحدها: أنهم معصومون من الكبائر عمدا وسهوا، ومن الصغائر عمدا لا سهوا وبه جزم المصنف واختاره صاحب الحاصل. والثاني: أنهم معصومون عن تعمد الذنب مطلقا دون سهوه, سواء كان صغيرة أو كبيرة لكن بشرط أن يتذكروه وينبهوا غيرهم عليه، وهو مقتضى كلام المحصول والمنتخب. والثالث وهو طريقة الآمدي: أنهم معصومون عن تعمد الكبائر فقط. قال: فأما صدور الكبيرة لنسيان أو تأويل خطأ, فقد اتفق الكل على عدم جوازه سوى الرافضة، وأما الصغيرة فقد اتفق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة على جوازه عمدا أو سهوا. هذا كلامه في الأحكام ومنتهى السول، وهو معنى كلام ابن الحاجب أيضا، قالا: والعصمة ثابتة بالسمع عند الأكثرين خلافا للمعتزلة حيث قالوا: إنها ثابتة بالعقل أيضا. وهذه المسألة من علم الكلام؛ فلذلك أحال المصنف تقريرها على كتابه المسمى بالمصباح. قال: "الثانية: فعله المجرد يدل على الإباحة عند مالك، والندب عند الشافعي, والوجوب عند ابن سريج وأبي سعيد الإصطخري وابن خيران, وتوقف الصيرفي وهو المختار؛ لاحتمالها واحتمال أن يكون من خصائصه". أقول: فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كان من الأفعال الجبلية كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحوها فلا نزاع في كونها على الإباحة أي: بالنسبة إليه وإلى أمته كما قاله الآمدي وتركه المصنف لوضوحه، وما سوى ذلك إن ثبت كونه من خصائصه فواضح أيضا، وإن لم يثبت ذلك وكان بيانا لمجمل فحكمه في الإيجاب، وغيره حكم الذي بينه, كما سيأتي في كلام المصنف؛ ولذلك أهمله هنا, وإن لم يكن بيانا وعلمنا صفته بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الوجوب والندب والإباحة إما ببيانه, أو بقرينة الامتثال, أو غير ذلك, فحكم أمته كحكمه كما نقله الإمام عن جمهور الفقهاء والمعتزلة، ونقله الآمدي عن جمهور الفقهاء والمتكلمين, واختاره ويعبر عن هذا المذهب بأن التأسي واجب أي: يجب علينا فعله إن كان واجبا, فاعتقاد ندبيته أو إباحته إن كان مندوبا أو مباحا، وقيل: لا يكون حكمنا كحكمه مطلقا، وقيل: إن عبادة وجب التأسي به وإلا فلا, وإن لم تعلم صفته نظر فيه إن قصد القربة فإنه يدل على الندب عند الإمام وأتباعه، ومنهم المصنف. وقد صرحوا به في المسألة الثالثة وعبر عنه المصنف هناك بقوله: والندب بقصد القربة مجردا، وقيل بأنه للوجوب ونقله القرافي عن مالك وقيل بالتوقف. وأما إذا لم يظهر فيه قصد القربة ففيه أربعة مذاهب, وهذا القسم هو الذي تكلم فيه المصنف واحترز عن جميع ما تقدم بقوله: فعله المجرد. فقال مالك: يدل على إباحة ذلك الشيء وجزم به الإمام في الكلام على جهة الفعل, وستقف عليه بعد هذه المسألة إن شاء الله تعالى. وقال الشافعي: يدل على الندب، وقال ابن سريج وأبو سعيد الإصطخري1 وابن