قال: "الكتاب الثاني: في السنة, وهو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو فعله وقد سبق مباحث القول, والكلام الآن في الأفعال وطرق ثبوتها وذلك في بابين, الباب الأول: في الكلام في أفعاله, وفيه مسائل الأولى: أن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- معصومون لا يصدر عنهم ذنب إلا الصغائر, والتقرير مذكور في كتابي المصباح". أقول: السنة لغة هي العادة والطريقة قال الله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [آل عمران: 137] أي: طرق, وفي الاصطلاح تطلق على ما يقابل الفرض من العبادات وعلى ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم من الأفعال أو الأقوال التي ليست للإعجاز وهذا هو المراد هنا. ولما كان التقرير عبارة عن الكف عن الإنكار, والكف فعل كما تقدم, استغنى المصنف عنه به أي: عن التقرير بالفعل, وإنما أتى بـ"أو" الدالة على التقسيم للإعلام بأن كلا من القول والفعل يطلق عليه اسم السنة، وقد سبق مباحث القول بأنواعها من الأمر, والنهي، والعام, والخاص, وغيرها. والكلام الآن في الأفعال وفي الطرق التي ثبتت الأفعال بها وهي الأخبار, وجعل المصنف ذلك فيما بين الأول في الأفعال والثاني في الأخبار، وقدم الكلام في الأخبار على الكلام في الإجماع وإن كان مخالفا لأصلية الحاصل والمحصول؛ لئلا يتخلل بين أفعاله عليه الصلاة والسلام وبين طرق ثبوتها مباحث أجنبية، وذكر في الباب الأول خمس مسائل, الأولى: في عصمة الأنبياء -عليهم السلام- وهي مقدمة لما بعدها؛ لأن الاستدلال بأفعالهم متوقف على عصمتهم, فنقول: اختلفوا في عصمتهم قبل النبوة فقال الآمدي: الحق وهو ما ذهب إليه القاضي أبو بكر وأكثر أصحابنا أنه لا يمتنع عليهم ذنب سواء كان كفرا أو غيره، وأما بعد النبوة فقد أجمعوا كما قال الآمدي على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام. قال: فإن كان غلطا فالأشبه الجواز، وأجمعوا أيضا إلا بعض المبتدعة على عصمتهم من تعمد الكبائر, وتعمد الصغائر الدالة على الخسة كسرقة كسرة, وما عدا ذلك فقد اختلفوا فيه