قال: "خاتمة: النسخ يعرف بالتاريخ, فلو قال الراوي: هذا سابق قبل بخلاف ما لو قال: هذا منسوخ؛ لجواز أن يقوله عنه اجتهاد ولا نراه". أقول: مقصود المصنف من هذا بيان الطرق التي يعرف بها كون الشيء ناسخا ومنسوخا. ولما كان ذلك متعلقا بجميع أنواع النسخ ذكره آخرا وسماه خاتمة. وحاصله أن النسخ قد يعرف بتنصيص الشارع عليه، ولم يتعرض له المصنف لوضوحه، وقد يعرف بالتاريخ. فإذا علمنا بطريق ما أن أحد الدليلين المتنافيين متأخر عن الآخر كان ناسخا له، فلو قال الراوي: هذه الآية نزلت قبل تلك أو هذا الحديث سابق على ذلك قبلناه، وإن كان قبوله يقتضي نسخ المتواتر بالآحاد، وسببه أن النسخ حصل بطريق التبع, أما لو قال: هذا منسوخ, فإنه لا يقبل لاحتمال أن يقوله عن اجتهاد, ونحن لا نرى ما يراه، وفي المحصول عن الكرخي أن الراوي إذا لم يعين الناسخ وجب الأخذ بقوله؛ لأنه لولا ظهور النسخ فيه لم يطلقه. "فروع" حكاها ابن الحاجب, أحدها: إذا قال: افعلوا هذا أبدا جاز نسخه عند الجمهور. الثاني: نقصان جزء العبادة كالركعة أو شرطها كالوضوء, ونسخ لذلك الجزء أو الشرط اتفاقا، وليس بنسخ للعبادة لأن وجوبها باقٍ بالإجماع، وقيل: نسخ لها؛ لأنه ثبت تحريمها بغير طهارة وبغير ركعة, ثم ثبت جوازها أو وجوبها بغيرهما، وقيل: إن كان جزءا نسخها, وإن كان شرطا فلا. الثالث: إذا نسخ حكم المقيس عليه كان ذلك نسخا لحكم المقيس على المختار. الرابع: اتفقوا على أن الناسخ لا يثبت حكمه قبل أن يبلغه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في ثبوت حكمه بعد وصوله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبل تبليغه إلينا، والمختار أنه لا يثبت. الخامس: المختار جواز نسخ وجوب معرفة الله تعالى وتحريم الكفر وغيره خلافا للمعتزلة, والمختار أيضا جواز نسخ جميع التكاليف خلافا للغزالي قال: لأن المنسوخ لا ينفك عن وجوب معرفة النسخ ومعرفة الناسخ، وهو الله تعالى. وجوابه أن نقول على تقدير تسليم اللزوم, فيجوز أن نعلمهما، وينقطع التكليف بعد معرفتهما بهما وبغيرهما، والفرعان الأولان مذكوران في المحصول أيضا.