والحاصل، وقوله: مطلقا فيه أيضا تقريران موقوفان أيضا على مقدمة, وهي أن الإيجاب باعتبار الفاعل قد يكون على الكفاية كالجنازة, وقد يكون على العين كالصلوات الخمس, وباعتبار المفعول قد يكون مخيرا كخصال الكفارة, وقد يكون محتما كالصلاة أيضا، وباعتبار الوقت المفعول فيه قد يكون موسعا كالصلاة، وقد يكون مضيقا كالصوم، فإذا ترك الصلاة في أول وقتها صدق أنه ترك واجبا إذ الصلاة تجب بأول الوقت، ومع ذلك لا يذم عليها إذ أتى بها في أثناء الوقت ويذم إذا أخرجها عن جميع الوقت إذا ترك إحدى خصال الكفارة, فقد ترك ما يصدق عليه أنه واجب، مع أنه لا ذم فيه إذا أتى بغيره، وإذا ترك صلاة الجنازة فقد ترك ما هو واجب عليه؛ لأن فرض الكفاية يتعلق بالجميع ولا يذم عليه إذا فعله غيره، بخلاف تارك إحدى الصلوات الخمس فإنه مذموم سواء وافقه غيره أم لا إذا عرف بذلك, فنعود إلى ذكر التقريرين أحدهما: أن قوله: مطلقا عائد إلى الذم وذلك لأنه قد تلخص أن الذم على الواجب الموسع، والواجب المخير، والواجب على الكفاية من وجه دون وجه، والذم على الواجب المضيق والمحتم، والواجب على العين من كل وجه؛ فلذلك قال: مطلقا أي: سواء كان الذم من بعض الوجوه أو من كلها, فلو لم يذكر ذلك لقيل له: من ترك صلاة الجنازة مثلا لإتيان غيره بها, فقد ترك واجبا عليه مع أنه لا يذم أو يقال له: الآتي بها آت بالواجب مع أنه لو تركه لم يذم وأنت قد قلت: إن الواجب ما يذم تاركه, فلما ذكر هذا القيد اندفع الاعتراض لأنه وإن كان لا يذم عليه من هذا الوجه فيذم عليه من وجه آخر، وهو ما إذا تركه هو وغيره وبه صار الحد جامعا للواجب الموسع، والواجب المخير، والواجب على الكفاية، وعبر عنه الإمام في المحصول والمنتخب بقوله: على بعض الوجوه، وتبعه صاحب التحصيل، لكن صاحب الحاصل أبدله بقوله: مطلقا فتبعه المصنف وهو أحسن من عبارة الإمام؛ لأن القيود لا بد أن تخرج أضدادها فالتقييد بالبعض يخرج ما يذم تاركه من كل وجه, فيلزم أن يخرج من الحد أكثر الواجبات وهي المضيقة والمحتمة وفروض الأعيان, لا جرم أن في بعض مقطوعا كان أو مظنونا, فالتخصيص تحكم، قال الفنري: وفيه نظر, إذ المظنون لما لم يعلم تقديره علينا، كيف يقال: إنه فرض أي: مقدر علينا؟ والمقطوع لما كان معلوم التقدير كيف يقال: إنه ساقط؟ أقول: الحكم بأنه مقدر علينا لا يتوقف على القطع بل يكتفي فيه الظن، وكون الشيء معلوم التقدير لا ينافي السقوط علينا بمعنى النسخ، ولو على بعض الوجوه بزيادة: ولو. الثاني: أن مطلقا عائد إلى الترك والتقدير: تركا مطلقا ليدخل المخير والموسع وفرض الكفاية, فإنه إذا ترك فرض الكفاية لا يأثم وإن صدق أنه ترك واجبا وكذلك الآتي به آتٍ بالواجب مع أنه لو تركه لم يأثم وإنما يأثم إذا حصل الترك المطلق أي: منه ومن غيره، وهكذا في الواجب المخير والموسع، ودخل فيه أيضا الواجب المحتم، والمضيق, وفروض العين؛ لأن كل ما ذم الشخص عليه إذا تركه وحده ذم