أقول: المعرفات للماهية خمسة: الحد التام, والحد الناقص، والرسم التام، والرسم الناقص، وتبديل لفظ بلفظ أشهر منه، فالحد التام هو التعريف بالجنس، والفصل، كقولنا في الإنسان: إنه الحيوان الناطق، والحد الناقص كالتعريف بالفصل وحده كقولنا: الناطق, والرسم التام هو التعريف بالجنس والخاصة كقولنا: الإنسان حيوان ضاحك، أو كاتب فالضحك معنى خاص بالإنسان والتبديل باللفظ الأشهر كقولنا: البر هو القمح، إذا علمت ذلك فالأحكام الخمسة لها حدود ورسوم فالتقسيم السابق، ذكره المصنف لمعرفة حدودها كما تقدمت الإشارة إليه، ثم شرع الآن في التعريف بالخواص فلذلك قال: ويرسم ولكنه لم يرسم نفس الأحكام، بل رسم الأفعال التي تعلقت بها هذه الأحكام، فإن الفعل الذي تعلق به الوجوب هو الواجب، والذي تعلق به الندب هو المندوب، والذي تعلق به التحريم هو الحرام، والذي تعلقت به الكراهة هو المكروه، والذي تعلقت به الإباحة هو المباح، وهذا الرسم نقله في المحصول عن اختيار القاضي أبي بكر، ولم يصرح باختياره, نعم صرح بذلك في المنتخب فقال: إنه الصحيح من الرسوم لكن فيه تغيير ستعرفه، فقوله: الذي يذم أي: الفعل الذي يذم فالفعل جنس للخمسة، وقوله: يذم احترز عن المندوب والمكروه والمباح لأنه لا ذم فيها، قال في المحصول تبعا للغزالي في المستصفى: وهو خير من قولنا: يعاقب تاركه لجواز العفو ومن قولنا: يتوعد بالعقاب على تركه؛ لأن الحلف في خبره محال فيلزم أن لا يوجد العفو ومن قولنا: لا يخالف العقاب على تركه؛ لأن المشكوك في وجوبه غير واجب مع وجوب الخوف والمراد بقولنا: يذم تاركه أن يرد في كتاب الله تعالى، أو في سنة رسوله، أو إجماع الأمة ما يدل على أنه بحالة لو تركه لكان مستنقصا وملوما بحيث ينتهي الاستنقاص واللوم إلى حد يصلح لترتب العقاب، وقوله: شرعا قال في المحصول: هو إشارة إلى أن الذم عندنا لا يثبت إلا بالشرع على خلاف ما قاله المعتزلة، وقوله: تاركه احتراز عن الحرام فإنه يذم شرعا فاعله لا قوله قصدا، فيه تقريران موقوفان على مقدمة وهي أن هذا التعريف إنما هو بالحيثية أي: هو الذي بحيث لو ترك للذم تاركه إذ لو لم يكن قيد الحيثية لاقتضى أن كل واجب لا بد من حصول الذم على تركه وحصول الذم على تركه موقوف على تركه, فيلزم من ذلك أن الترك لا بد منه وهو باطل. إذا عرفت ذلك فأحد التقريرين أنه إنما أتى بالقصد؛ لأنه شرط لصدق هذه الحيثية إذ التارك لا على سبيل القصد لا يذم, والثاني أنه احترز به عما إذا مضى من الوقت مقدار يتمكن فيه من إيقاع الصلاة ثم تركها بنوم أو نسيان أو موت, فإن هذه الصلاة واجبة لأن الصلاة تجب عندنا بأول الوقت وجوبا موسعا بشرط الإمكان كما سيأتي في الواجب للوسع, وقد تمكن ومع ذلك لم يذم شرعا تاركها؛ لأنه ما تركها قصدا فأتى بهذا القيد لإدخال هذا الواجب في الحد ويصير به جامعا، ولا ذكر له في المحصول والمنتخب ولا في التحصيل