قال: "الفصل الثاني في تقسيماته، فالأول: الخطاب إن اقتضى الوجود ومنع النقيض فوجوب, وإن لم يمنع لندب وإن اقتضى الترك بمنع النقيض فحرمة وإلا فكراهة, وإن خير فإباحة" أقول: لما فرغ من تعريف الحكم شرع في تقسيماته وهو ينقسم باعتبارات مختلفة إلى تقسيمات ستة، الأول: باعتبار الفصول التي صيرت أقسامه أنواعا خمسة، فقول في تقسيمه أي: في تقسيم الحكم ثم إنه لما قدم أن الحكم هو خطاب الله تعالى ... إلخ صح التقسيم في الخطاب وأن كلامه في تقسيم الحكم وقرن الخطاب بالألف واللام لإفادة المعهود السابق وهو خطاب الله تعالى, وحاصله: أن خطاب الله تعالى قد يكون فيه اقتضاء، وقد يكون فيه تخيير كما تقدم، فإن اقتضى شيئا نظر إن اقتضى وجوب الفعل ومنع من نقيضه وهو الترك، فإنه الوجوب وإن اقتضى الوجود ولم يمنع من الترك فهو الندب، وإن اقتضى الفعل ومنع من نقيضه وهو الإتيان به فهو الحرمة, وإن اقتضى الترك لكن لم يمنع من الإتيان به الكراهة، وإن كان الخطاب لا يقتضي شيئا بل خيرنا بين الإتيان والترك فهو الإباحة، وهذا التقسيم يعلم منه الحدود, فالإيجاب مثلا طلب الفعل مع المنع من الترك، وأمثلة الباقي لا تخفى وهو تقسيم محدد لا إيراد عليه لكن تعبير المصنف بالوجوب والحرمة لا يستقيم بل الصواب الإيجاب والتحريم؛ لأن الحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى كما تقدم, والخطاب إنما يصدق على الإيجاب والتحريم لا على الوجوب والحرمة؛ لأنهما مصدر وجب وحرم, والإيجاب والتحريم مصدران لأوجب وحرم بتشديد الراء, فمدلول خاطبنا الله تعالى بالصلاة مثلا هو أوجبها علينا وليس مدلوله وجبت، نعم إذا أوجبها فقد وجبت وجوبا قال: "ويرسم الواجب بأنه الذي يذم شرعا تاركه قصدا مطلقا, ويرادفه الفرض وقالت الحنفية: الفرض ما ثبت بقطعي والواجب بظني".