أن يكون ملحوناً وجارياً على غير سبيل الإعراب واللغة، وقد تقدم من استقصى هذا الفن، وهم واضعو صناعة النحو، وأن يركب الشاعر منه ما ليس بمستعمل إلا في الفرط، ولا يتكلم به إلا شاذاً، وذلك هو الوحشي الذي مدح عمر بن الخطاب زهيراً بمجانبته له وتنكبه إياه، فقال: كان لا يتبع حوشي الكلام.
وهذا الباب مجوز للقدماء، ليس من أجل أنه حسن، لكن لأن شعرائهم من كان أعرابياً قد غلبت عليه العجرفية، وللحاجة أيضاً إلى الاستشهاد بأشعارهم في الغريب، ولأن من كان يأتي منهم بالوحشي لم يكن يأتي به على جهة التطلب له، والتكلف لما يستعمله منه، لكن لعادته وعلى سجية لفظه.
فأما أصحاب التكلف لذلك، فهم يأتون منه بما ينافر الطبع وينبو عنه السمع، مثل شعر أبي حزام غالب بن الحارث العكلي وكان في زمن المهدي، وله في أبي عبيد الله كاتب المهدي قصيدة أولها:
تذكرت سلمى وإهلاسها ... فلم أنس والشوق ذو مطرؤه
وفيها يقول:
لأوحى وزير إمام الهدى ... لنا وهو بالإرب ذو محجوه
يسوس الأمور فتأتي له ... وما في عزيمته منهوه
وفي بالأمانة صفو التقى ... وما الصفو بالرنق المحموه
وعند معاوية المصطفى ... جباً غير مأج ولا مطرؤه
فقال الوزير الأمين: انظموا ... قريضاً عويصاً على لؤلؤه
فعبرت مرتفقاً وحيه ... بغير انصيار إلى المتكؤه
سيدني من الحق ذو فطنة ... معي في العواقب والمبدؤه
بيوتاً علي لها وجهة ... بغير السناد ولا المكفؤه
ومثل شعر أحمد بن جحدر الخراساني في مالك بن طوق؛ ويقال: إنها لمحمد بن عبد الرحمن الغريبي الكوفي، في عيسى الأشعري:
هيا منزل الحي جنب الغضا ... سلامك عن النوى تصرم