قبل القافية، لكن حب الفنا إذا كسر كان مكسره غير أحمر، فاستظهر في القافية لما أن جاء بها، بأن قال: لم يحطم، فكأنه وكد التشبيه بإبغاله في المعنى، قال امرؤ القيس:
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هزيز الريح مرت بأثأب
فقد تم أوصف والتشبيه قبل القافية، لأنه يكفي أن يشبه حفيف جري الفرس بالريح، فلما أتى بالقافية، أوغل إيغالاً زاد به في المعنى، وذلك أن الأثاب شجر للريح في أضعاف أغصانه حفيف شديد.
حدثني التوزي قال: قلت للأصمعي: من أشعر الناس؟ فقال: من يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيراً، أو إلى الكبير فيجعله بلفظه خسيساً، أو ينقضي كلامه قبل القافية، فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى.
قال: قلت: نحو من.
قال: نحو ذي الرمة، حيث يقول:
قف العيس في أطلال مية فاسأل ... رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل
فتم كلامه قبل المسلسل، ثم قال: المسلسل، فزاد شيئاً. ثم قال:
أظن الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعاً كتبديد الجمان المفصل
فتم كلامه، ثم احتاج إلى القافية، فقال: المفصل، فزاد شيئاً.
قال: قلت: ونحو من؟ قال: الأعشى، حيث قال:
كناطح صخرة يوماً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فتم مثله إلى قوله: قرنه، فلما احتاج إلى القافية، قال الوعل، فزاد معنى.
قلت: فكيف صار الوعل مفضلاً على كل ما ينطح؟ قال: لأنه ينحط من قلة الجبل على قرنيه فلا يضيره.
وإذ قد أتيت على ما قدرت أنه نعت للشعر، وعددت أجناس ذلك، وفصلت أنواعه.
فالآن أحب أن أبتدئ بذكر عيوب الشعر، وأذكر أجناس ذلك على الترتيب الذي رتبت النعوت عليه، وبحسب تلك السياقة.