أحببت أن أخدمه بأبياتٍ طريحة، عنكبوتية النسج من جهة القريحة القريحة.

وأطلب فيها الإجازة بجميع مروياته، إن كان يراني أهلاً لتلقي مستنداته.

لأني لم أكن من فرسان هذا المضمار، ولا أهلاً لمعانقة أبكار الأفكار.

فلهذا صرت أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، وأقول: سلوك طريق الأدب مع مثل هذا الأستاذ أولى وأحرى.

لأن مقامه عالي الذرى، وأين الثريا من الثرى.

إلى أن رأيت بعض الإخوان ملأوا الأفواه في مدحه بدرر نثارهم، ونصبوا على مدارج سماع ذكرهم بيوت أشعارهم.

وظفروا من كنوز المناهج بالسعد المنتظر، ونثروا على عقود جواهره اللآلي والدرر.

وقصدوه وهو الغني من هذه الصناعة وهم بالنسبة إليه الفقراء البائسون، فتلقاهم بالقبول وفاح عليهم من رحيق ختام كلامه مسكٌ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

وأنزلهم منازلهم في مجالس حكمه، وخلع على أعطافهم من حلل نثره ونظمه.

فحملوا على عواتق شكرهم لواء الحمد الأزهر، وخفقت أعلام مدائحهم بثناء الفخر الأبهر.

وهم يقولون في دقائق معارفه " إن هذا إلا سحرٌ يؤثر "، وإن فضله كالشمس لا ينكر، وإن ذكره الرفيع أبى الله أن لا يذكر.

ثم وردوا علي واحداً بعد واحد، وطلبوا مني أن أستخرج من أبكار الفكر، بنات ذهنٍ مكللاً جيدها بعقود جواهر الفقر.

فقلت: لساني يعجز في ترجمته عن بلوغ قدره، ولو قال مهما قال لم يقم بواجب حقه طول عمره.

فقالوا: لا سبيل إلا أن تصيغ درر المعاني، عقداً نضيداً يبهر منه لب المعاني.

وألزموني الحجة، ولم أر للمندوحة محجة.

وقد شرعت فيما راموه، وجادت القريحة بما طلبوه.

وقفيت مقاطيع هي عن الغاية كاسمها، وأبياتاً خاويةً ما تساوى الوقوف على رسمها.

ولكن على عجزي وقدرته، وقلي وكثرته.

أطمع في عفوه أنه ينضد لها من إبريز فضله سلكا، ويقابل أعمى الحظ الذي " عبس وتولى " " وما يدريك لعله يزكى ".

وأسأله الصفح عند تصفحها، واستحضار الحلم ساعة يلمحها.

وأن يمن عليها بالقبول، والستر الجميل المقبول.

وهذه هي هدية العبد المولى، إلى السيد الأمين المولى.

أمتع الله تعالى بفضائله التي تزري بالروض النضر، وتملأ أذن السامع وعين المنتظر:

بَنُو المصطفَى أصلُ الوجودِ الأماثِلُ ... أكارمُ أهلِ البيت أينَ المُماثِلُ

هم الناسُ في صِدْقِ المَقالِ لأنهم ... إذا صَدَعُوا بالحقِّ لم يَبْقَ باطلُ

وهم رحمةٌ للعالَمِين وعِصْمةٌ ... وقد بَرْهَنتْ عمَّا أقولُ الدَّلائلُ

وهم خيرُ خلقِ الله في الأرضِ نِعْمةً ... هُداةٌ لمن فيها أمانٌ مُواصِلُ

ومِن بيْتهم جاءَ الكتابُ مُفصَّلا ... وشَرْعُ رسولِ الله بالحقِّ فاصِلُ

أئمَّةُ هَدْيٍ هَذَّب الدِّينَ منهمُ ... إلى أُمَمِ الإسلامِ قومٌ أفاضلُ

خُذُوا عنهمُ الحِلْمَ الشريفَ وحدِّثوا ... إلى فضل أهلِ البيت تُعْزَى الفضائلُ

لقد عظَّم الرحمنُ في الدهرِ قَدْرَهم ... وأثْنَتْ عليهم بالفَلاحِ الأماثِلُ

حُماةٌ سراةٌ لا يُضامُ نَزِيلُهم ... إذا ضَيَّعتْ عهدَ الجِوارِ القبائلُ

سَمَتْ بمَعانيهم علومٌ رفيعةٌ ... وطالتْ بهم في الأكْرَمِين الطَّوائلُ

ومِن خَيْرِهم حَبْرٌ حَوَى كلَّ سُؤدَدٍ ... حَسِيبٌ نَسِيبٌ أوْصلَتْه الحَمائِلُ

أمِينُهمُ السامِي الفخارِ رَشيدُهم ... سَرِيُّهمُ الشَّامِي النِّجار الحُلاحِلُ

خِيارُ الكرامِ الشُّمِّ من آل هاشمٍ ... خُلاصةُ أهلِ البيتِ نعْمَ التَّناسُلُ

لفاطمةَ الزَّهْرا البَتُولِ انْتسابُهُ ... عَلِيُّ حُسَيْنِيٌّ له الأصْلُ كَافِلُ

شريفٌ عفيفٌ مُسْتغَاثٌ مُهذَّبٌ ... كريمُ السَّجايا حازمُ الرَّأْيِ عاقلُ

أصيل له مجْدٌ رفيعٌ مُوثَّلٌ ... عَرِيقٌ زَكَتْ أخلاقُه والشمائلُ

هو السيدُ المحفوظُ من كلِّ زَلَّةٍ ... وشاهدُه في الذّكُرِ يتْلُوه فاضلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015