أبَى الله إلاَّ أن يكونَ مُطهَّراً ... فأذْهَبَ عنه الرِّجْسَ والفضلُ شاملُ

لقد آنَسَ الله البلادَ وأهلَها ... وطابتْ به في الأرضِ مصرُ المناهِلُ

وأشْرقتِ الآفاق من نُورِ فضلهِ ... وسارتْ به للسَّاِلكين رسائلُ

وشاهَد أهلُ الحقِّ فيه عنايةً ... تَسامتْ بها أفْعالُه والعَوامِلُ

تملَّك غاياتِ العلوم فلم يزَلْ ... ضَلِيعاً بأعْباءِ الهُدى منه كاهِلُ

عَطوفٌ رؤوفٌ ذو حنانٍ ورحمةٍ ... تشَرَّف بالتوفيقِ منه المُواصِلُ

إمامُ الهدَى غَيْثُ النَّدَى مُذْهِبُ الرَّدَى ... عن الناسِ إن صالتْ عليهم صَوائِلُ

مُجَلِّي عَماياتِ الضَّلالِ بهمَّةٍ ... مُؤيَّدَةٍ يُصْمِي بها من يُجادِلُ

ومُرْشِدُ أرْبابِ القلوبِ إلى الهدى ... بأفْضلِ رُشْدٍ منه تُشْفَى الغلائِلُ

ومُسْقِي النَّدامَى من سُلافةِ سِرِّهِ ... شَراباً طَهُوراً للعقولِ يُثامِلُ

فقاصِدُ سامِي سُوحِه غيرُ خائبٍ ... يبُثُّ الثَّنا لا يعْترِيه تَشاغُلُ

وفي نَفَحاتِ الأُنْسِ عَيْنُ حَقيقَةٍ ... فمن أمَّه نالَ الذي هو آمِلُ

تراهُ إذا يمَّمْتَه مُتهلِّلاً ... بأنْواعِ تَرْحابٍ لها البِشْرُ باذِلُ

هو البحرُ إن حَدَّثْتَ عن مُعْجباتِه ... ضَعُفْتَ عن اسْتيعابِ ما أنت ناقلُ

فأمْواجُه نحوٌ وصرفٌ ومنطقٌ ... ولُجَّتُه التاريخُ والشعرُ ساحلُ

إذا صاغ شِعْراً جاء دُرّاً مُنضَّداً ... وخالصُ إبريز المَعانِي سَلاسِلُ

هُمامٌ له في كلِّ فَنٍ مُؤلَّفٌ ... بأوْضح معنىً ليس فيه تداخُلُ

وألَّف تاريخاً هَمَى جُودُ مُزْنِه ... على عُلَماءِ العصرِ كالغَيثِ هَاطِلُ

وأوْدَعَ سِرَّ الجَمْع في طَيِّ نَشْرِه ... ففَاحتْ برَوضاتِ العلومِ الْمَنادِلُ

لقد صار كَهْفاً للمشايخ شامِخاً ... بسَاحتِه للطَّالِبين مَنازِلُ

وأفْصَح عن فَرْقٍ وجَمْعٍ وهيئةٍ ... به فزَهتْ غَداوتُه والأصائِلُ

وأعْربَ عن أسْمائهم وصِفاتِهم ... وأنْسابهم والأخْذِ عمَّن يُخالِلُ

وقد صَرَّحَ الأثْباتُ عن خُبْرِه بما ... يُحدِّث عن صِدْق الذي هو قائلُ

ومن أعْجَبِ الأشياءِ صِحَّةُ نَقْلِه ... ولم يَرَهُم طُرّاً فكيف التَّواصُلُ

وقد حارتِ الأشْياخُ في حُسْنِ صُنْعِهِ ... وكلٌّ لميثاقِ المَودَّةِ حامِلُ

ولاَذَتْ به أهلُ الْعَروُضِ لأنه ... خبيرٌ بما قد دَوَّنتْه الأوائِلُ

عَلِيمٌ بأقْسامِ الكلامِ مُؤرِّخٌ ... أمينٌ شريفٌ صادقُ الوعدِ عادلُ

له شَرَفٌ يسْمُو السِّمَاكيْن رِفْعةً ... وأوْصافُ صدقٍ حار فيها المجادِلُ

إمام له في كلِّ عِلْمٍ مَكانةٌ ... بصحَّةِ إسْنادٍ عن الثَّبْتِ ناقلُ

وحَسْبُك في تحقيقِ ما أنا ذاكرٌ ... فعَن مثلِه في الناسِ تُرْوَى المسائلُ

جميلُ المُحيَّا في نَضارةِ وجهِه ... مَشارِقُ منها تسْتضيءُ المحافِلُ

حَمِيد المَساعِي قد تَسامَى مَقامُه ... محمدٌ المحمودُ فيما يُحاوِلُ

بِدايتُه في كلِّ علمٍ نهايةٌ ... وما هُنَّ عن نَهْج الحقيقةِ عادلُ

أمينٌ على الأسرارِ من دُرِّ كَنْزِه ... أتَى خيرَ ما دَلَّتْ عليه الدَّلائلُ

ولا عَيْبَ فيه غير أنَّ سَبِيلَه ... لِسالِكه فيه الهدى والوَسائِلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015