وبرٌّ يطوق أعناق المشارق والمغارب بنفائس درر عقده الثمين، وكشاف أسرار البلاغة بحسن تأويلٍ يظهر الغث من السمين.

بل هو رياض أدبٍ أينعت من ينابيع بديع ثمراته الأوراق، وسقت جداول مداد مديد كلمه أغصان روضات قلمه فأخرجت من كل الثمرات ما حلا ورق وراق.

فهو الإمام ابن الهمام الذي لا يعلم فضيلة تحقيقه وتدقيقه إلا الأعلم، والخليل الذي نثر لآلىء البيان ونظم.

فأهلاً به من مؤرخ أخيرٍ تتلفت إليه وجوه الأعصر الأول، وبخٍ بخ لبراعته التي يبيض سوادها صحف الأيام والدول.

من نحا نحو منطقه، وارتضع ثدي معاني بيان بلاغته، كان في اللغة جوهري تنكيتها، بصحاح عبارات يحار من بلاغتها سكيتها وابن سكيتها.

يتحدث لسان يراع براعته المخضب بمداد المعاني فلا يمين، ويقسم أنه يبرز دقائقه فيبر تكذيباً لمن قال: فليس لمخضوب البيان يمين.

صدر الشريعة بل بحرها الذي يلتقط من ساحل الشام دره، شيخ الطريقة بل برها الذي يجيد صنائع المعروف فعلى الحقيقة لله دره.

صاحب إتقان جامعٌ نافعٌ لأهل الرواية بدايته، ومغرب معرب عن أصول الهداية نهايته.

محمدي الخصال الثابت غراس أصله في طينة المجد السامي، الثابت المتصل بطيبة ونجدٍ محتده الشامي.

وحسبك ما جمع من الفضل والفصل، ونجابة الفرع الدال على عراقة الأصل.

كيف لا وهو قطب دائرة الأفلاك العلوية، ومطلع شموس أملاك الدوحة النبوية، وعين أعيان خواص خلاصة البدعة المحمدية، وخير خيار الأخيار من السلافة المصطفوية.

أشرف مولى بمناصب حكمه اتصل سند حديثه بالإمام الحاكم، فإذا ما نظر في الأحكام الشرعية كان في الفصل أعدل حاكم، وأجل عالم عامل ولا نكتم شهادة الله " ومن يكتمها فإنه آثم ".

وماذا أقول في البيت الذي عمرته بالذكر الحميد أبناؤه، وغمرته بالذكر الحكيم أبناؤه.

فتبارك من أظهر من أهله هذا السيد وجعل أغاريب البلاغة لألفاظه مذعنةً طائعة، وأعاجيب صياغة الألسنة عاصيةً سواه وله مطاوعة، وأبرز إبريز المعاني عن ذهنه السليم فأشبه مطبوعه طابعه.

فلقد صنف تاريخا وأبدع في تصنيفه، وألف شتات الفضائل وجمع شمل ذكر علماء عصره في تأليفه.

فجاء بحراً طويلاً مبسوطا بمداد أمداده ذكر السادة العلماء، محيطاً بكامل أسمائهم، ووافر أنسابهم.

حتى صار بأسانيدهم علماً حاوياً لكل قولٍ محرر وجيز، شاملاً لخلاصة المعنى بموجز ألفاظٍ تعرف القادر منه بالتعجيز.

لم لا، وقد تكلم فيه عن نكاتٍ يكاد المسموع منها لإشراقه أن يرى، وأتى بجوامع الكلم فكان الصيد كل الصيد في جوف الفرا.

يدل على صحة إخبار مؤلفه عن علماء العصر طرا، أنه من أهل البيت أولي العلم والمجد وصاحب البيت أدرى.

وينبه البحث باقتدار جامعه على تحقيق خبريته بمواقع الأخبار وتسهيل صعابها، أنه ورث علم هذه الصناعة عن أصله المكي وأهل مكة أعرف بشعابها.

فلله من مؤرخ أحرز بالجمع عن الأواخر ما أحرز بالسمع عن الأوائل، وأبرز للجمع عن الأوائل أخاير الذخائر من فضائل الأفاضل.

فصوص حكمه مشتملةٌ على أحسن الإشارات، وفتوحات حقائقه جاءت بالتلويحات إلى أفضل المقامات.

فكم فيه من تنبيهٍ على كل معنى مستصفى، ومحكمٍ من أحكام الأحكام يهدي تحصيل الشفا من استشفى.

وفصيحٍ من القول في إصلاح النطق، يقرب إلى أدب الكتاب، ومهذبٍ من اللفظ الفائق يقطف من روض المديح زهر الآداب.

حتى رصع قلائد العقيان في نحر البلاغة مجملا، ونظم عقد درر الصحيحين وغرر الصحاح من نثره ونظمه مفصلا.

ففي أبيات شعره قصور مشيدة، وفقر رسائله كل فقرةٍ منها معدودةٌ بقصيدة.

وفي عنوان توفيقه قوت قلوب العارفين، وفي محكم إراشاده إحياء علوم الدين.

فكسا الله مؤلفه من حلل العلوم ثياباً غير أخلاق، وجعله مجيزاً لكلٍ طالبٍ مروياته بمحاسن الإسناد ومكارم الأخلاق.

وبلغه من الآمال والأماني أوفاها وأقصاها، ومد أمد مدته حتى لا يحصرها إلا الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.

لما قد نفعني الله بوجوده، وزاده من فضله وجوده.

محروسة مصر القاهرة تشرفت، وبحلول ركابه تزخرفت.

وفاح في رباها من روض بهجته نور نشرها الأريج، ورويت من رؤيته بصوب صوابه فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج.

وبإشراق كوكب محياه في أفقها وافق الخبر الخبر، وأين السمع من المشافهة ومشاهدة النظر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015