تتنافس بهاء آدابه، والشعر طريقته المثلى ودابه.

فمن شعره قوله:

حَسْبُ المُتَيَّمِ ما يلْقاه من ألَمِ ... وما يُقاسِيه من وَجْدٍ ومن سَقَمِ

مُسَلْسِلاً دَمْعَه يَرْوِيه مُنْسكِباً ... ما بين مُخْتلِفٍ منه ومُلْتئِمِ

ودَأْبُه حَمْلُ أعْباءِ المَلامِ على ... دِينِ الغَرامِ ولو أشْفَى على العَدَمِ

في كلِّ وقتٍ له وَاشٍ يُرَوِّعُه ... وكاشِحٌ عاذِلٌ عند الطريق عَمِي

لا لَهْوَ عن قَامةٍ أو مُقْلةٍ سَحَرتْ ... منها رِماحٌ وأسْيافٌ تُرِيقُ دَمِي

أخْشَى عليها وإنّي خائفٌ وَجِلٌ ... مِن العِداةِ ومِن تَزْوِيرِ قَوْلهمِ

بالقلبِ مَسْكنه لكنَّما جَزَعِي ... إعْراضُه عن مُحِبٍ ثابتِ الْقَدَمِ

فذُو الصَّبابةِ لا يُصْغِي لِعاذِلِه ... إن المُحِبَّ عن العُذَّالِ في صَمَمِ

فحسْبُه الله لا يَبْرَحْ أسِيرَ هوىً ... ومُدَّةَ الدهرِ والأيام لم تَنَمِ

علي الصوفي فتى تورعٍ وتصوف، لم يكن له إلى غير الخوف تشوف.

فهو صادق العزمة، مستغاثٌ به في الأزمة.

بعيد القدم، من مخاضات الندم.

أوتي بسطةً في العلم، ورسا طوداً في ساحة الحلم.

وله كلماتٌ في الحكم باهرة اللمعان، بمثلها تحل أضغان وترحل أظعان.

وشعره آخذٌ بأطراف المعارف، ماحٍ بأنوار البراهين شبه الزخارف.

أثبت منه قطعةً تنور القلب وتشرح الصدر، وتدل على أن قائلها في المعرفة علي الهمة والقدر.

وهي قوله:

ومِن عَجَبِي أن الذين أُحِبُّهمْ ... أرَاهم بعَيْن القلبِ طُولَ المدَى مَعِي

وتنْظُرهم عَيْني وهم في سَوادِها ... ويشْتاقُهم قلبي وهُم بين أضْلُعِي

جعلتُ لهم حتى الدَّوام حُشاشَتِي ... وعن غيرِهم أصْلاً قطعتُ مَطامِعِي

شكَوْتُ لقاضِي الحُبِّ جَوْرَ أحِبَّتِي ... جَفَوْنِي وقالوا أنت في الحُبِّ مُدَّعِي

فخُذْ قِصَّتي واحكُمْ عليَّ ومنهمُ ... فإنِّي عليهم خائفٌ كيف أدَّعِي

وعندي شُهودٌ أربعٌ يشْهدون لي ... سَقامِي ووَجْدِي واشْتياقِي وأدْمُعِي

وإن طلَبُوا منِّي حُقوقَ هَواهمُ ... أقول فقيرٌ لا عليَّ ولا مَعِي

وإن سَجنُونِي في سُجونِ هَواهُمُ ... دخلتُ عليهم بالنَّبِيّ المُشَفَّعِ

محمد بن سلطان الحافظ الرشيدي الأفق الفاتح عن ضوء النهار، والروض النافح عن أرج الأزهار.

استقل بالفائدة الجديدة، واستبدل بالآراء السديدة.

فله في الجد همةٌ لا تني، وعزيمةٌ إذا انثنت الجبال لا تنثني.

أمنت بحمد الله غوائله، وحدثت عن حسن اواخره أوائله.

وله في القريض، باعٌ طويل عريض، وروض بلاغته مخصب أريض.

فمن شعره قوله، في نظم أسماء الأنبياء، المصرح بهم في الكتاب العزيز:

أتَى في كتابِ اللهِ أسْماءُ جُمْلةٍ ... من الأنْبياءِ المُتَّقِين ذَوِي الفَخْرِ

فأبْدَيْتُ إحْصاءً بنَظْمٍ لِعَدِّهمْ ... بأسْمائِهم أحْلَى مَذاقاً من القَطْرِ

ولم أرَ قبْلي مَن أتى بنِظامِهمْ ... فهاك عَرُوساً أُبْرِزتْ لك من خِدْرِ

ولم ألْتزِمْ تَرْتيبَهم في وُجودِهمْ ... فقدَّمتُ خيرَ الخلقِ أحمدَ في الذِّكْرِ

فقلتُ وإنِّي سائلٌ مُتوسِّلٌ ... إلى اللهِ في أن يرفعَ الوِزْرَ عن ظَهْرِي

محمدٌ المُهْدَى إلى الناسِ رَحمةً ... وآدَمُ إدْريسٌ ونُوحٌ على الإثْرِ

وهودٌ أخو عادٍ وصالحٌ الذي ... أتَى بالهُدَى من ربِّه لِذَوِي الحِجْرِ

كذلك إبراهيمُ ذُو الصُّحُفِ الذي ... عليه ثَناءُ اللهِ في مُحْكَمِ الذِّكْرِ

ولُوطٌ وإسْماعيلُ إسْحاقُ بعدَه ... أتى نَجْلُه يعقوبُ كالكوكبِ الدُّرِّي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015