فمن شعره قوله من قصيدة يمدح بها المفتي يحيى بن زكريا، وهو قاضٍ بمصر، وأولها:

أوُرْقُ الرَّوْضِ تصْدَحُ أم تغَنَّى ... هَزَارُ الأُنْسِ بالإقْبالِ هَنَّا

على قُضْبانِ بَاناتٍ ووَرْدٍ ... بألْحانٍ فُرادَى ثم مَثْنى

أم الوَرْدُ البَهِيُّ زَهَا بنَوْرٍ ... سَناهُ عن سَنَا الأقمارِ أغْنَى

أم ابْتَسم الزمانُ فَلاحَ بَرْقٌ ... فأبْكَى في رَوابي الأرضِ مُزْنَا

وصفَّقتِ الرياحُ على أَكُفٍ ... من الأوْراقِ حتى قد دَهِشنَا

وشُحْرورُ الرِّياضِ بها يُناغِي ... بأنْواعِ الغِناء به سُرِرْنَا

وقام على الغُصونِ خطيبُ أُنْسٍ ... يُذكِّرُنا بما كُنَّا سَمِعْنَا

ويَرْوِي من أحاديثٍ صحاحٍ ... حَدِيثاً صَحَّ إسْناداً ومَتْنَا

بأن الحَبْر يحيى قام يُحْيِي ... رُسوماً للشَّرِيعةِ كُنَّ مُتْنَا

قلت: هذا الشاعر إن لم يكن من العوالي، فربما ينظم السبج مع اللآلي.

على أنه قد يُذْكَر في في البَيْن من يُجْعَل عُوذَةً تقِي شَرَّ العَيْن أبو بكر بن شهاب الدين قعود ماجدٌ قامت له البراعة على قدم، وبنى بصائب فكره من رسم البلاغة ما انهدم عجنت طينته بماء عوارف المعارف، فأضحى يجر على أبناء عصره أردية الفخر سابغة المطارف.

وقد تأدب وفاق، ولم يحتج في ترويج حظه إلى حروفٍ وأوفاق.

وله شعرٌ كأنه بنيانٌ مرصوص، وهو بمزية الوصف في حسن السبك عامٌّ مخصوص.

فمنه قوله:

إذا النفسُ سادَتْ في المعالِي طَرِيقها ... وليس عَظِيمُ الخَطْبِ عنها يَعُوقُها

فلَهْفاً على نَفْسٍ إذا رُمْتُ عِزَّةً ... لها ذَلَّ حَوْزِ المطالِب سُوقُهَا

رَمَتْ حَظَّها الأيَّامُ بالأسْهُمِ التي ... مُحالٌ لَعَمْرِي أن يعيشَ رَشِيقُها

لقد قدّم الجَهْلُ الليالي وإنَّه ... لَمِن أعْظمِ البَلْوَى التي لا نُطِيقُهَا

ولكنَّ حَسْبَ الحَبْر أنَّ عُلومَه ... تلُوحُ بآفاقِ الكمالِ بُرُوقُهَا

سليم الشاعر رجلٌ سليم الضمير، ذو باطن أصفى من الماء النمير.

جم الفائدة والآثار، طافح الشعر والنثار.

كيله هيل، ونهره سيل.

يجمع الغث والسمين، ويخلط الورد بالياسمين.

وقد جئتك من منتخباته اللطاف، بقطعةٍ كباكورة الثمار جنية القطاف.

وهي قوله:

سَبَى مُهْجتِي ظَبْيٌ كَحيلُ النَّواظِرِ ... بديعُ جمالٍ حازَ حُسْنَ النَّواضِرِ

فيا مُهْجتِي حَاكِي السَّعِير وشَابِهي ... بجسمِي ضَنَى خَيْط الرَّبابِ ونَاظرِي

ويا كبدِي هَوْلَ الغرامِ تَجاسَرِي ... عليه كَقلبِي في هَواه وخاطرِي

برُوحِيَ مَن نَاهِيَّ أصْبَح آمِرِي ... به وبِغَيٍ عاذلي فيه عاذِرِي

وبي لِلمَاهُ أو لَمامِ دُنُوِّهِ ... تلَهُّفُ حَيْرانٍ ولَفْتةُ حائِرِ

يجُور عل ضَعْفِي كما يحكُم الهوى ... بعادلِ قَدٍ منه في الحُكْمِ جائِرِ

غرامِي صحيحٌ والرَّجا منه مُعْضِلٌ ... ومُرْسَلُ دمعِي منه جُرْحُ مَحَاجِرِي

فقُرَّةُ عيني عنه عن حَسَنٍ رَوَتْ ... وعن صِلَةٍ لم تَرْوِ قَطُّ وجَابِرِ

يَبيتُ ومنه الطَّرْفُ غَافٍ وغافلٌ ... وما الجَفْنُ منِّي غيرَ سَاهٍ وسَاهِرِ

نَفَى النومَ عنِّي حين أعْرَض نافِراً ... فبِي منه أوْدَى صُنْعُ نَافٍ ونَافِرِ

غَدَا جَازِماً بالهَجْرِ للنَّومِ رافعاً ... وناصبَ صَدٍ كاسِراً منه خَاطِرِي

مَدِيدٌ تَجَنِّيهِ سريعٌ صُدودُه ... طويلُ جَفاً من صَدِّه المُتَواتِرِ

تهتَّكْتُ فيه والهوى لم يزَلْ به ... ولو تُعْظِم الأحْجاءُ هَتْكَ السَّرائِر

متى يَنْمَحِي منِّي وأُصْبِحُ تارِكاً ... مَخافاتِ لَهْوٍ عُمْرُه غيرُ عامِرِ

سليمان الدلجي صاحب طبعٍ فياض، وشعرٍ كأنوار الرياض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015