يا تارِكي بصُدودِه غَرَضَ الضَّنَى ... هَلاَّ رثَيْتَ لجسمِ صَبٍ بَالِي

يَرْضى ولو بالطَّيْفِ تُرْسِلُه له ... في غَفْلةِ الرُّقَباء جُنْحَ ليالِي

وقوله، من قصيدة أولها:

رأَى ناظِري وَجْهاً يَرِقُّ أدِيمُهُ ... فأجْرى به دَمْعاً وقال أُدِيمُهُ

وشاهَدَه في صفحةِ الخَدِّ لُؤْلُؤاً ... تَخالَط منه بالعَقِيقِ يَتِيمُهُ

وأبْدَى حديثاً من قديمٍ مُعَلَّلاً ... فصَحَّ وبالأسْقامِ راح كَلِيمُهُ

رَوَاه عن الزُّهْرِيِّ نْعمانُ خَدِّه ... وحَسَّنه من عارِضَيْه نَمِيمُهُ

وبي لَوْعةٌ من صَدِّه ونِفارِهِ ... يَوَدُّ لها طُولَ الزمانِ سَلِيمُهُ

لعلَّ له في مَوْقفِ الحشرِ والْجَزَا ... يطُول به المُضْنَى المُعَنَّى لُزُومُهُ

وهيْهات ضاع الصبرُ عند لِقائِه ... وضاع به في الحيِّ عِطْراً شَمِيمُهُ

ووَيْلاه من قَدٍ إذا هَزَّ عِطْفَه ... فما عَطْفُهُ يُرْجَى وإنِّي عَدِيمُهُ

إذا رُحْتُ أشكو فالصَّدَى يشْتكي معي ... مُحالٌ لما أُبْدِي كأني غَرِيمُهُ

كأنَّ النَّوَى لمَّا تخيَّل خَيْبتِي ... بمَن شَفَّنِي هاجتْ إليَّ جَحِيمُهُ

إذا راح دَمْعِي يُشْبِهُ الدُّرَّ نَثْرُه ... شَجانِيَ مِن ثَغْرِ الحبيبِ نَظِيمُهُ

يحيى الشامي أريبٌ جلت مزاياه، فكم من خبايا معانٍ في زواياه.

ذكره كالزهر مفتر الكمامة، وخلقه كالروض جادته الغمامة.

وكان مع طبعه المنقاد، ولطفه الذي يهب العين الرقاد.

منفرداً انفراد البدر، متوحداً كليلة القدر.

كأنه سهمٌ رشق عن قوس القضا، يضيق في عين تصوره رحب الفضا.

وله شعرٌ رقيق المعاني، أثبت منه ما تتأنق برونقه المعاني.

فمنه قوله، من قصيدة مستهلها:

أمَا لأسيرِ الحبِّ فَادٍ من الأسْرِ ... ليرْبَحَ في المِسْكينِ شَيئاً من الأجرِ

أما لِلْهوى شرعٌ وللحبِّ حاكمٌ ... فيسألَ عن حالِي وينْظُرَ في أمْرِي

رهينُ فؤادِي في يَدَيْ مَن أُحِبُّه ... على غيرِ دَيْنٍ في الهوى مُفْلِس الصَّبْرِ

وباع الْكَرَى إنْسانُ عَيْنِي بنَظْرةٍ ... فما رَبحَ المغرورُ بل عاد بالخُسْرِ

يُطالِبُني العُذَّالُ بالعُذْرِ والهوى ... ولا عُذْرَ لي إلاَّ الهوى والهوى عُذْرِي

وأبْكِي عن من يُشْبِهُ الصَّخْرَ قلبُه ... كما كانتِ الخَنْساءُ تبْكِي على صَخْرِ

فلا نَظَرتْ عيني خِلافَ حَبِيبَها ... وإن زاد في الإعْراضِ والصَّدِّ والهَجْرِ

وبالقلبِ منِّي والْجَوانِحِ كلِّها ... مَلِيحٌ يفُوق البدرَ في ليلةِ البَدْرِ

بديعُ جمالٍ قد تطابقَ حُسْنُه ... حَوَى ثِقَلَ الأرْدافِ مَعْ خِفَّةِ الخَصْرِ

إذا الْتفَّ في بُرْدٍ وفاح عَبِيرُه ... فما شئْتَ قُلْ في اللَّفِّ وفي النَّشْرِ

أحانةُ خَمْرٍ أم سهامٌ رَواشِقُ ... قلوَب الْبَرايا أم ضُروبٌ من السِّحْرِ

ولمّا عَرَتْنِي سَكْرةٌ من لِحاظِهِ ... وصِرْتُ صَرِيعاً لا أُفِيقُ من السُّكْرِ

تدَاوَيْتُ مِن ألْحاظِه برُضابِهِ ... كما يتداوَى شاربُ الخمرِ بالْخَمْرِ

وسكَّن نارِي ضَمُّهُ لجَوانِحِي ... وأجْفانُه أعْدَتْ فؤادِيَ بالسُّكْرِ

وكان الهوى حُلْواً لَذِيذاً بوَصْلِهِ ... فغيَّر ذاك الحُلْوَ طعمُ النَّوَى الْمُرِّ

شهاب الدين الديربي المالكي أحد السيارة في فلك الفضل، الموفي على أقرانه وله القول الفصل.

قد ظهرت دلائل نبله، ورمى عن قوسه فأصاب لب الصواب بنبله.

فأصبحت مآثره مدونة، وصحائفه بعنوان الخير معنونة.

والفضْل في مِدْحتِه قائلٌ ... هذا لَعَمْري قد غدا مالِكي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015