إخْوانُ هذا الزمانِ لمَّا ... تفرَّقتْ منهمُ القلوبُ

توهَّمُوا أنهمُ أَصابُوا ... وما دَرَوا أنهمُ أُصِيبُوا

محمد بن حجازي الرقباوي شاعر مكثار، إلا أنه مأمون كبوةٍ وعثار.

دخل الحجاز واليمن، واتصل بولاتهما الذين ابتهج بهم الزمن.

فأطال في مدحهم وأطاب، وملأ ذخائر أنعمهم الجمة الوطاب.

ولله تعالى بقايا من عباده في بلاده، خلقهم لينعش بهم العاثر، ويحيى بمكارمهم المعالي والمآثر.

فمن مدائحه في الشريف زيد، صاحب مكة، قوله من حاثية عارض بها الفتح بن النحاس، مطلعها:

كلُّ صَبٍ مالَه في الخَدِّ سَفْحُ ... لم يَرُقْ في عينهِ نَجْدٌ وسَفْحُ

ومتى يعلُو بشأنٍ في الهوى ... وله شأنٌ به فيه يَشِحُّ

إنَّما الدمعُ دليلٌ ظاهرٌ ... إن يكنْ للحبِّ مَتْنٌ فهْو شَرْحُ

والذي يصْبُو لأغْصانِ النَّقَا ... لم يكنْ عنها بغير الطَّرْفِ يَصْحُو

يستْحِي من أن يُوافِيها الْحَيا ... وهْو أوْفَى مِنَّةً والغَيْمَ يَمْحُو

كيف يسْتسْقِي لها ماءَ السَّما ... وله جَفْنٌ متى شاء يَسِحُّ

رَوضةٌ لِلْغِيدِ كانتْ مَلْعباً ... وهي في لَبَّةِ جِيدِ الشرقِ وَضْحُ

كلما نقَّطَها قَطْرُ النَّدَى ... رَشَف الطَّلَّ بها رَنْدٌ وطَلْحُ

وإذا مَرَّتْ بها رِيحُ الصَّبا ... سَحَراً أرَّجَها بالمِسْكِ نَفْحُ

وتغنَّتْ فوقها وُرْق الحِمَى ... ولِدَاعِي بُلْبلِ الأشواقِ صَدْحُ

رُبَّ خَودٍ ذاتِ لَحْظٍ فاتِنٍ ... فاتِكٍ بالكَسْرِ والسَّقْمِ يَصِحُّ

بَضَّةٍ قد غُمِستْ في حُسْنِها ... ولها في لُجَجِ الإحْسانِ سَبْحُ

أتُراها اسْتَعْذَبتْ يومَ النَوَى ... لِعَذابِي كأسَ بَيْنٍ وهْوَ مِلْحُ

ما لَها لا عَبَثَ الدهرُ بها ... لا تَرَى الهِجْرانَ يكْفِي وهْو ذَبْحُ

كنتُ أشكُو صَدَّها مِن قبلِ أن ... تنْتوِي والآن عندي فيه شُحُّ

يا نَوارُ اصْطنعِينِي باللِّقَا ... فلَكمْ قالَيْتُ مَن في العشقِ يَلْحُو

إن تكُونِي شِمْت في ليل الصِّبا ... بَارِقاً فهْو لرَوْضِ الحُلْمِ فَتْحُ

كم جلَيْتِ الشمسَ في غَرْبيَّةٍ ... وسَمَحْتِ وجَناحُ الفَوْدِ جُنْحُ

فاجْعلِيه شافِعاً فيما بَدَا ... أيُّ لَيْلٍ ما لَه يا بَدْرُ صُبْحُ

ولقد أعلمُ حَقّاً لم يكنْ ... منكِ عن ذَنْبِ ظُهورِ الشَّيْبِ صَفْحُ

كم أُدارِي فيك عُذَّالِي وكم ... ساءَنِي فيك على التَّبْريحِ كَشْحُ

وإذا فعل الغوانِي هكذا ... كلُّ ذي سُكْرٍ بهم لاشَكَّ يَصْحُو

سأذُودنََّ فؤادِي رَاغِباً ... عن هوَى مَن جِدُّه بالصِّدْقِ مَزْحُ

يا خليليَّ اعْذِرا بِي إنَّ لي ... نارَ وَجْدٍ ما لها بالعشق لَفْحُ

خَلِّيانِي والذي ألْقاهُ مِن ... زَنْدِ شوقي مالَه بالغِيدِ قَدْحُ

أنا عن ألْحاظِهم في مَعْزِلٍ ... وحَدِيثي ظاهرٌ وهْو الأصَحُّ

قد نَسِينَا ما حَفِظْنا منهمُ ... ورأيْنا أن بعضَ العَذْلِ نُصْحُ

لا أرَى العَيْشَ صَفَا ما لم أعِشْ ... وفؤادِي من حُروفِ اللَّهْوِ مَمْحُو

وعن التَّشْبِيبِ ما أغْنَى ولي ... في عُلاَ زيدِ العُلَى شكرٌ ومَدْحُ

قامِعُ الأقْرانِ في يومِ الوَغَى ... تحت ظِلِّ السَّمْرِ والحربُ تَفِحُّ

أبيضُ الوَجْهِ إذا النَّقْعُ دجَا ... وَاضِحُ البِشْرِ إذا الفرسانُ كُلْحُ

كم له يومَ فخَارٍ مُنْتَمىً ... ولِوَقْعِ البِيضِ بالْهاماتِ رَضْحُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015