رحَلُوا وما عادُوا على مُضْناهمُ ... وَاهاً لحَظِّي ليت كنتُ مُؤَخَّرَا
إن كان جسمي في الدِّيارِ مُخَلَّفاً ... فالقلبُ منهم حيث قالُوا أهْجَرَا
أظْهرْتُ صبرِي عنهمُ مُتجلِّداً ... وكتَمْتُ وَجْدِي فيهمُ مُتسترَا
وغدا العَذُولُ يقول لي مِن بعدِهم ... بَادٍ هواك صَبَرْتَ أم لم تصْبرَا
أقسمتُ إن جادَ الزمانُ بِمطْلبِي ... وسَلكْتُ رَبْعاً بالمنَاسِكِ عُمِّرَا
وشهدِتُ بَدْرَ الحيِّ بعد أُفُولِهِ ... مُذْ لاح مِن أفُقِ السعادةِ مُقْمِرَا
أدَّيْتُ خدمةَ سيِّدٍ سَنَدٍ غَدَا ... مُفْتِي الأنامِ وِراثةً بين الوَرَى
وكتبت إليه أيضاً:
مَلَكتْ سَوْرةُ الرَّحِيلِ عِنانِي ... وأهاجتْ سَواكِنَ الأشْجانِ
أتمنَّى أسْرِي وهل يملِك السَّيْ ... رَ طَرِيحُ النِّدَا أسِيرُ التَّدانِي
يا خليليَّ وَقْفةٌ بالمُصَلَّى ... تُجْدِ حَمْدَ السُّرَى ودَرْكَ الأمانِي
فاعْطِفا وانْزِلا وبُثَّا سَلامِي ... لِوَجِيهِ العُلَى فريدِ المَعانِي
أنا بيْن لَوْعةٍ عَلِم اللَّ ... هُ وشَوْقِي له بِطُولِ الزَّمانِ
أيْنَ منِّي الحَنِينُ من ذاتِ طَوْقٍ ... سَلَبَتْها النَّوَى غُصونَ الْبَانِ
لو تُطِيقُ النِّياقُ شوقِي لما حَنَّ ... تْ خُضوعاً مِن تُرْبِها أجْفانِي
وبقلبِي من الوَجِيبِ إليهِ ... مِثْلَما بالنِّياقِ مِن دَمَلانِ
فَوَعَيْشِ الصِّبا وحيِّ التَّصابِي ... ولَيالِي الرِّضَا وأُنْسِ التَّدانِي
إنَّ قَصْدِي لُقْياك لكنْ قِيادِي ... بيَدٍ ليس لي بها مِن يَدَانِ
فأجابه بقوله:
يا خليليَّ بالصَّفا أسْعِدَانِي ... وبوَصْلٍ من الإياسِ عِدانِي
واحْمِلاَ بعضَ ما أُلاقِي وبُثَّا ... حالَ صَبٍ مُتيَّمِ القلبِ عَانِي
جسمُه في جِيادَ والقلبُ منه ... في قُرَى مصرَ دائمُ الخَفَقَانِ
لم يزَلْ شَيَّقاً وَلُوعاً دَواماً ... شَاخِصَ الطَّرْفِ سَاهِرَ الأجْفانِ
يرقُبُ النَّجْمَ لَيْلَه وإذا أصْ ... بحَ أضْحَى مُناشِدَ الرُّكْبانِ
هل رأيتمُ أو هل سمعتمُ حَدِيثاً ... عن قديمِ الإخَا عظيمِ المعانِي
هو تاجٌ لِلْعارفين الذي قد ... نالَ إرْثاً عَوَارِفَ العِرْفانِ
خُصَّ بالعِلْمِ والرِّياسةِ والوُدِّ ... وهَذِي مَواهبُ الرحمنِ
فهو كنزٌ ومَجْمَعٌ لعُلومٍ ... قد حَواها بغايةِ الإتْقانِ
وهو صَدْرُ الشريعةِ المَشْرَعُ العَذْ ... بُ البَسِيطُ الْمُحِيطِ والبُرْهانِ
دام فينا مُبَلَّغاً ما يُرَجَّى ... من مُرادٍ ورِفْعةٍ وأمانِي
ما تغَنَّى على الرِّياضِ هَزارٌ ... رَقَّص الغُصْنَ في رُبَا البُسْتانِ
وكتب إليه أيضاً:
اليومُ مثلُ العامِ حتى أرَى ... وَجْهَك والساعةُ كالشَّهرِ
إن أبهى ما تجملت به السطور والطروس، وأشهى ما استعذبته الأنفس وتطلبته النفوس، دعاءٌ على مر الدهور لا ينقضي، وابتهالٌ بأكف الضراعة للإجابة مقتضي، أن يديم على صفحات الوجوه شامة دهرها، وواحد وقتها، وعالم عصرها.
المستجمع لمكارم الأخلاق والشيم، والمنفرد بمزاياها عند الخلق والأمم.
المشتهر عند العرب والعجم بأنه ملك من العلم زمامه، وجعل العكوف عليه لزامه.
فانقاد إليه انقياد الجواد، وجرى في ميدانه بحسن السبق والفكر الوقاد.
عالم الغرب والشرق، ومزيل ما تعارض من المسائل بحسن الجمع والفرق.
الجامع بين رياستي العلم والعمل، والمانع بإخلاص السريرة من لحوق عوارض العلل.
كنز العلوم والكشف، بحر الهداية الذي ارتوى منه بالعب والرشف.
صدر الشريعة الغرا، وشيخ حرم الله بالإفتاء والإقرا.