ومما يحسن موقعه في منع المطر عن الزيارة قول الشهاب مضمناً:

أقولُ لِوَابلٍ عن دارِ حِبِّي ... أعَاقَ وقد بَدَا منه انْسِجامُ

سلامُ اللهِ يا مَطَرٌ عليها ... وليس عليك يا مَطَرُ السَّلامُ

وكتب جحظة إلى ابن المعتز: كنت على المسير إلى الأمير، فانقطع شريان الغمام، فقطعني عن خدمته.

فكتب إليه: لئن فاتني السرور بك لم يفتني بكلامك.

وقوله: شريان الغمام، من أحسن الكلام.

ورأى تاريخ المقري، المسمى بنفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، فكتب إليه:

مِن الغُصْنِ الرَّطِيبِ هَصَرْتَ غُصْناً ... ومن أثْمارِه أصْبَحْتَ جَانِي

كَساهُ اللهُ من ورقٍ بُرُوداً ... مُطرَّزة بأزْهارِ الجِنانِ

وكتب لبعض إخوانه يطلب منه كتاب قلائد العقيان:

يا سيِّداً حاز خَصْلَ الفضلِ من كُتُبٍ ... بجدِّ عَزْمٍ وجَدٍ طاهر النَّسَبِ

مِن القَلائِد جِيدِي عامِلٌ أبداً ... فابْعَثْ بها كي تُحَلِّي جِيدَ ذِي أدَبِ

قَصْدِي المروُ عليها مُسْرِعاً عَجِلاً ... كما يمُرُّ نسيمُ الرَّوضِ بالْعَذَبِ

وله يعتذر عن ترك التغزل:

وقائلةٍ لِمْ لا تَغَزَّلُ في الظِّبَا ... وطَبْعُك مِن ماءِ اللَّطافةِ قد رَوِي

فقلتُ لها قَدْرِي تَسَامَى عن الذي ... تَرُومِي لِشُغْلِي بالعلومِ وما رُوِي

وله في الشباب والشيب:

ليلُ الشبابِ نجومُ الشَّيْبِ فيه بَدَتْ ... فأحْرقتْ مِن شَياطينِ الهوَى زُمَرَا

بدَتْ وأدْهَمُ لَهْوِي جَدَّ في مَرَحٍ ... فقيَّدتْهُ بِعقْدٍ يُشْبِهُ الدُّرَرَا

معنى الأول ألم فيه بقول أبي طالب بن يعمر.

نجومُ شَيْبِيَ في ليلِ الشبابِ بَدَتْ ... فبَصَّرتْ عينَ قلبِي مَنْهَج الدِّينِ

فصِرْنَ راجِمةً شَيْطَان مَعْصِيَتِي ... إنَّ النُّجُومَ رَجُومٌ للشَّياطِينِ

ومن فوائده ما كتبه على البيت المشهور:

فَرَّقْنَ بين مَحَاجرِ ومَعَاجِرٍ ... وجمَعْنَ بين بَنَفْسَجٍ وشَقائِقِ

قال: أجاب عنه البدر الدماميني، وصاحب التبيان، والبيت ثالث بيتين قبله، وهما:

أنا الفِداءُ لظَبْيةٍ أحْداقُها ... مَوصُولةٌ مِن حُسْنِها بحدائِقِ

لمَّا الْتقيْنا للوَداعِ وأعْرَبتْ ... عَبَراتُنا عنَّا بدَمْعٍ ناطقِ

فَرَّقْنَ.....الخ

وقد وجدت البدر أتى البيوت من أبوابها وأزال بنور قريحته ما أظلم من غيهب رحابها أما صاحب التبيان وإن كان من أئمة البيان، المشار إليهم بالبنان، فقد وقف من وراء البيوت، وهو من الحزن كظيم، وتأخر عنها وهو من الحياء سقيم، وراش سهام قريحته فأبعد المرمى، ولم يصب لحماً ولا عظماً.

ولله در القائل:

نَزَلُوا بمكة في قبائلِ مُكْثِرٍ ... ونزلت بالبَيْداءِ أبْعَدَ مَنْزِلِ

فأتى بمعانٍ لا يخطبها خاطب، بل مما يحطبها في ليل سطورها الحاطب، وجهز بنات فكره بما لا يستروح لنشره؛ وليت شعري ما كان أغناه عن هذا الجواب وقصده، وما أكثر ما يهز المعاطف ولكن ببرده.

وها نحن نذكر نص الجوابين، ليظهر لك ما قلناه بغير مين، ونذكر ما ظهر لنا من الجواب، الذي هو أمس رحماً بضوءٍ من الآداب.

قال البدر: الظاهر أن الشاعر قصد أن عبراته في حال الوداع حجبت نظره عن رؤية الظبية الموصوفة، وحالت بينهما، فحصل بذلك تفريق العبرات المذكورة بين محاجره التي كان ينظر منها، وبين المعاجر التي كان ينظر إليها.

وقد وصف بعض الشعراء الدمع بكونه حائلاً بين العين والرؤية، كقول بعضهم:

وحالتْ دموعُ العَيْن بيني وبينه ... كأن دموعَ العين تعْشَقه مَعِي

وقال ابن منهال، أحد شعراء إفريقية:

إذا بَدَا حَالَ دَمْعِي دون رُؤْيتِه ... يَغارُ منِّي عليه فهْو بُرْقُعُهُ

وقول أبي الحسين بن سقر، شاعر المرية، في دولة بني عبد المؤمن:

وقَفَتْ وَقْفَةَ الوَداعِ وقالتْ ... ليت شِعْرِي متى يكون الرُّجوعُ

فبكيْنا خوفَ الفِراقِ فحالَتْ ... بيْننا قبلَ أن نَبِينَ الدُّموعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015