قال العَذُولُ الْتَحَى فقلتُ له ... حُسْنٌ جَدِيدٌ قَضى بتجْدِيدِ

أما تَرَى عَارِضَيْه فوقَهما ... لاَمُ ابْتداءٍ ولامُ تَوْكِيدِ

ولام كي، في قول ابن نباتة:

ومُسْتَتِرٍ من سَنَا وَجْهِهِ ... بشَمْسٍ لها ذلك الصُّدْغُ فَيّ

كَوَى الْقَلْبَ مِنِّي بلاَمِ العِذَارِ ... فعرَّفني أنَّها لامُ كَيْ

والبيت الأول كثيراً ما يشكل فهمه، وتبينه أنه أراد بسناء الوجه البياض، وبالشمس الحمرة.

وعكس ابن غالبٍ وأبعد وأبدع في ذم العذار، فقال:

سأصْنَعُ في ذَمِّ العِذارِ بَدائِعاً ... فمن شاء يقْضِي بالدَّليلِ كما أقْضِي

ألا إنَّه كالَّلامِ واللامُ شَأْنُها ... إذا الْتصَقتْ بالإسمِ آلَ إلى الخَفْضِ

فاجعله محتملاً لما شئت من الذم إن وجهت الخفض بانخفاضه للعمل المطلوب منه، وإن شئت انخفاضه انخفاض حاله.

وقد رد عليه شرف الدين المناوي، بقوله:

بَلَى إنها لامُ ابْتداءِ مَحبَّةٍ ... أو اللامُ للتأكيدِ ليستْ بذِي الخَفْضِ

فلو أبْصَرَتْ عيْناك ذاك الذي بَدَا ... على خَدِّه الوَرْدِيِّ كنتَ إذاً تَقْضِي

وللسيد المترجم:

تبَدَّى ذا العِذارُ شَبِيهَ لاَمٍ ... على وَرْدٍ بهِ زهَتِ الخدودُ

غَدَتْ كلُّ البَرَايَا فيه سَكْرَى ... لَدَى لامِيَّةِ الْوَرْدِي شُهودُ

مثله لبعضهم:

هوَيْتُه عَجَمِيّاً فوق وَجْنَتِهِ ... لاميَّةٌ عَوَّذْتها أحْرُفُ القَسَمِ

في وَصْفِه ألْسُنُ الأقْلام قد نَطقتْ ... وطال شَرْحِي في لاميَّةِ العَجَمِ

وله:

بأبِي وغيرِ أبِي عِذارٌ سائلٌ ... كالمِسْكِ سالَ على بَياضِ الْعَاجِ

أبداً أدِينُ بحُبِّه وبمدْحِه ... فلْيَلْحَنِي اللاَّحي ويهْجُو الْهَاجِي

وله في غلام يشرب الدخان:

وبديع حُسْنٍ بالدُّخانِ مُولَّعٍ ... ومِن الغَداةِ إلى العَشِيَّةِ يَشْرَبُهْ

يُبْدِي الدُّخانُ بوجْهه سِتْراً لنا ... فتخالُ بَدْراً والغَمامُ يُحجِّبُهْ

مثله لابن الجزري:

كأنما دُخانُ غلْيُونِهِ ... لمَّا بَدَا من ثَغْرِه الدُّرِّي

غَيْمٌ نَشَا من شَفِقٍ أحْمَرٍ ... مُحْتَجبٍ غَطَّى سَنَا الْبَدْرِ

وكتب لشخصٍ من أهالي مكة، في صدر كتاب:

سلامٌ كنَشْرِ الرَّوْضِ أو نَفْحةِ المِسْكِتَسِيرُ به أيْدِي الصَّبَا في دُجَى الحُلْكِ

بَلِيلة أذْيالٍ بدَمْعِ تَشَوُّقٍ ... إلى خِيرَةِ البيتِ المُعظَّمِ بالنُّسْكِ

يخُصُّ حبيباً أبْعَدَتْهُ يدُ النَّوَى ... وكان قريباً قُربَ جِيدٍ إلى السِّلْكِ

وكتب إلى الأستاذ زين العابدين البكري وقد انقطع عن مجلسه أياماً بسبب كثرة الأوحال من المطر:

لقد مَنع المَسِيرَ إلى حِماكُمْ ... تَوَالِي الغَيْثِ من ثَدْيِ السَّحابِ

وأوْحالٌ بها الطُّرقاتُ سُدَّتْ ... فما أسْطِيعُ مَشْياً لِلذَّهابِ

وقالوا رحمةٌ للناسِ عَمَّتْ ... ولكنْ لي بها فَرْطُ العذابِ

فيا رَبَّاهُ حتى الغَيْثُ خَصْمِي ... يُمانِعُنِي دُنُوِّي واقْترابِي

فعَجِّلْ بانْحِباسِ الغَيْثِ كَيْما ... أرَى ذاك الجمالَ بِلاَ حِجَابِ

من الأمثال مطر مصر يضرب للشيء النافع، يتضرر به؛ لأن من عيوب مصر أنها لا تمطر، فإذا أمطرت كرهت أهلها ذلك أشد كراهةٍ؛ لما يقع فيها من الأوحال، قال الله تعالى: " وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته " يعني المطر، فهذه رحمةٌ مجللة لهذا الخلق، وهم لها كارهون، وهي لهم غير موافقة، ولا تزكو عليها ثمارهم.

قال بعض الشعراء:

وما خيرُ قومٍ تُجْدِبُ الأرضُ عندهم ... بما فِيهِ خِصْبُ العالَمين من الْقَطْرِ

إذا بُشِّرُوا بالغَيْثِ رِيعَتْ قلوبُهمكما رِيعَ في الظَّلْماءِ سِرْبُ الْقَطَا الكُدْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015