وشعره كمسعول الأماني في شباب الزمان، ومعتنق قدود الغواني في ظل الأمن والأمان.

أوردت منه ما يعطر أنفاس النسائم في الهبوب، فهو إن لم يكن كثنائه العطر فكنفس المحبوب.

فمنه قوله من قصيدة:

ورَقِيقِ خَصْرٍ بالنُّحولِ مُمَنْطَقٍ ... قد رُيِّشَتْ بالهُدْبِ لي أجفْانُهُ

غُصْنٌ على دِعْصٍ يميلُ مع الصَّبَا ... سَكْرانُ من خَمْرِ الصِّبا نَشْوانُهُ

مَكْحُولُ أطْرافِ الجفونِ غَضِيضُها ... قد خُضِّبتْ بدمِ القلوبِ بَنانُهُ

ما السِّحْرُ إلاَّ ما حَوَتْهُ جُفونُهُ ... والطِّيبُ إلاَّ ما حَوَتْ أرْدانُهُ

ما الوردُ إلاَّ مَا حَوَتْه خُدُودُه ... وعِذارُه رَيْحانُه سُوسَانُهُ

ما الصَّعْدةُ السَّمْراءُ تُشْبِهُ قَدَّهُ ... كلاَّ ولا غُصن النَّقَا فَيْنَانُهُ

سلطانُ حُسْنٍ بالجمالِ مُتَوَّجٌ ... شَاكِي السِّلاحِ سِهامُه أجْفانُهُ

قد حجَّبُوه بالأسِنَّةِ والظُّبَا ... كالبدرِ حُجِّب بالغَمامِ عيِانُهُ

فهو العزيزُ ومِصْرُه قلبُ الشَّجِي ... وسَوادُ ناظِره به إيوانُهُ

مَبْذولُ ما فوقَ اللِّثامِ لِنَاظرٍ ... مَمْنوعُ ما تحت الإزارِ مُصانُهُ

قد زَارَنِي والليل قُلِّص ذَيْلُه ... والصبحُ قد طعَن الظلامَ سِنانُهُ

والوُرْقُ تبْكِيه وتنْدُب فَقْدَهُ ... والدِّيكُ صاح وقد علَتْ أحْزَانُهُ

في منزلٍ عَمَّ السرورُ رِحابَهُ ... والعُودُ يُفْصِح بالسرورِ لِسانُهُ

والوَرْدُ والمَنْثورُ يَعْبَقُ نَشْرُه ... والنَّدُّ يسْطَع إذْ عَلاهُ دُخانُهُ

وحَديثُنا قِطَعُ الرِّياض لِظِلِّها ... أنْدَا الرَّبيع وما أطَلَّ زَمانُهُ

جاذَبْتُه هُدْبَ الحديثِ مُوَرِّياً ... عن فَرْطِ شَوقٍ قد زكَتْ نِيرانُهُ

فأتاحَ ما تحتَ اللِّثامِ لناظرِي ... وأباحَنِي الثَّغْرَ النَّضِيدَ جُمانُهُ

فلَثَمْتُه ورشَفتُ رِيقَةَ ثَغْرِهِ ... وسَقيْتُ قلباً شَفَّنِي خَفَقانُهُ

وضَممْتُه وهَصَرْتُ بَانَةَ قَدِّهِ ... وعَفَفْتُ عَمَّا ضَمَّهُ هِمْيانُهُ

وغَفَرْتُ ذَنْبَ الدهرِ ممَّا قد جَنَى ... وشكَرْتُ قَوْلاً عَمَّنِي إحْسَانُهُ

ومن بدائعه قوله في معذر:

لاح العِذارُ بِخَدِّ نَحْوِيٍ لنا ... كالَّلامِ أكَّدتِ الغرامَ وَفاءَا

فسألتُ ما هذا السَّوادُ أجابَنِي ... حَرْفٌ لمعنىً بالمحَاسِنِ جاءَا

وأحسن منه قول الشهاب:

بلاَمِ عِذارِه قد زا ... دَهُ رَبُّ الورَى حُسْنَا

وعادتُهم إذا ما زِي ... دَ حَرْفٌ زادَ في المعنَى

ولام التأكيد وقعت في قول ابن نباتة:

لامُ العِذَارِ أطالتْ فيك تَسْهيدِي ... كأنَّها لِغَرامِي لامُ تَوْكِيدِ

ومثلها لام التعليل، كما في قول ابن الحنائي الرومي:

ولائمٍ لامَ في حُبِّي لِذِي غَنَجٍ ... لمَّا رأَى في حَواشِي خَدِّه لاَمَا

فقلتُ ذِي لامُ تعْليلٍ بوَجْنتهِ ... تُبِين عِلَّةَ مَن في حُبِّه هَامَا

ولام الاستغاثة، كما في قول ابن رشيق:

خَطَّ العِذَارُ له لاَماً بِعَارِضِهِ ... مِن أجْلِها تسْتغيثُ الناسُ بالَّلامِ

واللام الموطئة للقسم كما في قول الخفاجي:

غَزالٌ نَقَدْتُ له طاعتِي ... وعَجَّلْتُ للوَصْلِ ذاك السَّلَمْ

وأقْسمتُ لا بُدَّ مِن وَصْلِهِ ... وبالهَجْرِ والوَصْلِ يأْتِي القَسَمْ

ولامُ العِذَارِ على خَدِّهِ ... لَعَمْرِي مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمْ

واللام الجارة كما في قول ابن الجابي وقد تقدم:

في خَدِّه لامٌ تَجُرُّ إلى الهوَى ... فالقلبُ مَجْرورٌ بتلك الَّلامِ

ولام الابتداء، كما في قول أبي الحسن علي بن الحسن الأندلسي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015