ولم يُبْقِ منِّي الشوقُ إلاَّ تفكُّرِي ... فلو شئتُ أن أبكي بكيْتُ تفكُّرَا
لم أكن على مفارقة الأحباب جلداً فأقول وهي جلدي، وإنما هي تجلدي، مما حملت من النوائب على كتدي، وفتت صروف البين المشتت من أفلاذ كبدي.
جرَّبتُ من صَرْفْ دهرِي كلَّ نائبةٍ ... أمَرَّ من فُرْقةِ الأحْبابِ لم أجِدِ
فِراقاً قضَى أن لا تَأسِّيَ بعدما ... مَضَى مُنْجِداً صبرِي وأوْغَلْتُ مُتْهِمَا
خليليَّ إن لم تُسْعِداني على البُكا ... فلا أنْتُما منِّي ولا أنا منكُمَا
وحَسَّنْتُما لي سَلْوةً وتناسِياً ... ولم تذكُرا كيف السبيلُ إليهمَا
حفيده صالح بن إبراهيم الحكيم روح الروح وثمرة الفؤاد، ومحله من الفضل محل السويداء من القلب والإنسان من السواد.
وقد من الله تعالى في الحرم الشريف بلقائه، وكنت قبل ذلك أستروح نسيم الود من تلقائه.
فاتخذته ثمة نجياً، وعاطيته ريحان الصداقة جنياً.
أستشعر من جهته نفس العافية، وأتمسح منه باليد الشافية.
فهو للقلب نجيٌّ وللروح سمير، ويكاد يؤكل بالمنى ويشرب بالضمير.
يفاوح أرجه أزاهير الأدواح، ويبعث نسيمه طيب الحياة للأرواح.
إلى طلعةٍ نورها في فلك القبول شارق، وطبيعةٍ إذا ذقت جناها وشمت سناها تذكرت ما بين العذيب وبارق.
وله محاضرةٌ هي غرام كل صبٍ متيم، ومعاضدةٌ إذا مرضت حاجةٌ كان لها ابن مريم.
وأما طبه فلو عالج الدهر لأمن في نفسه النقم، أو داوى الحياة لما طاف بها السقم.
وقد تناولت من أشعاره ما هو شفاءٌ للصدور، وخفرٌ في وجوه البدور.
فمن ذلك قوله من قصيدة:
يا مخجِلَ البِيضِ البَواتِرْ ... بالسُّودِ من تلك النَّواظِرْ
الفاتكاتِ القاتِلاتِ الذُّ ... بِّلِ الوُطْفِ الفَواتِرْ
عَجبَاً لها تُمْسِي الأُسو ... د وهُنَّ أجْفانُ الجآذِرْ
غازَلْتُ منها مُقْلةً ... غزلَتْ وحاكتْ كلَّ باتِرْ
يرْنو بها الرَّشَأُ الأغَنُّ ... الأحْورُ الخِشْفُ المُنافِرْ
ظَبْيٌ حَشايَ كِناسُه ... ومَقَرُّه حيث السَّرائِرْ
قمرَ العقولَ بحُسْنِه ... أفْدِيه من قَمَرٍ وقامِرْ
لَمَعتْ بَوارِقُ ثَغْرِه ... فانْهَلَّ مِن جَفْنَيَّ ماطِرْ
بمَباسمٍ قد نُظِّمتْ ... في سِلْكِ مَرْجانٍ جَواهِرْ
وبدا صباحُ جَبِينِه ... فانْجاب لي ليلُ الضِّفائِرْ
واهْتزَّ غصنُ قَوامِه ... وغدا الفؤادُ عليه طائرْ
والرِّدْفُ أخفَى خَصْرَه ... فلذا عليه الكَشْحُ دائرْ
يا قلبُ مالك سَلْوةٌ ... كلاَّ ولا للوجدِ آخرْ
عذَل العَذُولُ ومُذ رأَى ... بَاهِي المُحَيَّا عاد عاذِرْ
أجْرَيْتُ وُقْفَ مَدامعِي ... وإلى لِقاهُ الطَّرْفُ ناظرْ
وكذا نَجِيعُ نُضارِها ... بتصَعُّدِ الأنْفاسِ قاطِرْ
هجرَ الحبيبُ وليْته ... لو كان للهِجْران هاجرْ
أبْكِي فيضحكُ هازئاً ... ولسائلِ العَبَرات ناهِرْ
يا رَبَّةَ الحُسْنِ الذي ... بجمَالِه بهرَ النَّواظِرْ
رِقِّي لرِقٍ طَرْفُه ... يرعَى السُّها والطَّرْفُ ساهرْ
ما شام بارِقَ لَعْلَعٍ ... إلاَّ غدا هامٍ وهامِرْ
حيثُ الظِّباءُ سَوانِحٌ ... غِيدٌ حَبائلُها الغدَائرْ
من كلِّ رُودٍ كَحَّلتْ ... بالسِّحرِ هاتيك المَحاجرْ
سلَبتْ فؤادي غادةٌ ... مِنْهنَّ تلعب بالخواطِرْ
أفْدِي مُحيَّاها الذي ... صُبْحُ الجَبِين عليه سافِرْ
سدَلتْ عليه جَعِيدَها ... والليلُ للإصْباحِ ساترْ