عَمْرِي لئن عظُمتْ تلك القَوادِحُ من ... خُطوبِه وتعدَّتْ حَدَّ تَعْدادِ
لقد نسِيتُ وأنْسَتني بَوائقُه ... تلك التي دَهْدَهتْ أصْلاً وأطْوادِ
مَصارِعٌ لِبَني الزَّهْرا وأحمد قد ... أذْكَرْنَ فَخّاً ومَن أرْدَى به الهادي
لفَقْدِهم وعلى المَطْلولِ من دَمهِم ... تبكي السماء بمُزْنٍ رائحٍ غادِي
وشَقَّ جَيْبَ الغمامِ البَرْقُ من حَزَنٍ ... عليهمُ لا على أبْناءِ عَبَّادِ
كانوا كعِقْدٍ بجيدِ الدهرِ مُذْ فَرطَتْ ... من ذاك وَاسِطةٌ أوْدَى بتَبْدادِ
وهو المَليكُ الذي للمُلْكِ كان حِمىً ... مُذْ ماسَ من بُرْدِه في خَزِّ أبْرادِ
كانت لجيرانِ ببيتِ اللهِ دولتُه ... مِهادَ أمْنٍ بِسَرْحِ الخيفِ ذَوَّادِ
وكان طَوْداً لِدَسْتِ المُلْكِ مُحْتبياً ... ولاقْتناصِ المَعالي أيَّ نَهّادِ
ثَوَى بصَنْعا فيا للهِ ما اشْتملَتْ ... عليه من مجدهِ في ضِيقِ ألْحادِ
فقد حَوَيْتِ به صَنْعاءُ من شَرَفٍ ... كما حَوَتْ صَعْدةٌ بالسيِّد الهادِي
فحبَّذا أنتِ يا صَنْعاءُ من بلدٍ ... ولا تغَشَّى زياداً وَكْفُ رَعَّادِ
مُصابُه كان رُزْءاً لا يُوازِنُه ... رُزْءٌ ومِفْتاحَ أرْزاءٍ وأسْبادِ
وكان رَأْساً على الأشْرافِ منذ هوَى ... تتابَعُوا بعده عن شِبْهِ مِيعادِ
لَهْفَ المُضافِ إذا ما أزْمَةٌ أزَمتْ ... من قطبِ نائبةٍ للمَتْنِ هَدَّادِ
لَهْفَ المُضافِ إذا ما أقْلحتْ سَنَةٌ ... يَضِنُّ في مَحْلِها الطَّائيُّ بالزَّادِ
لَهْفَ المُضافِ إذا كَرُّ الجِيادِ لدَى ... حَرّ الجِلادِ أثار النَّقْعَ بالوادِي
لَهْفَ المُضافِ إذا ما يُسْتباحُ حِمىً ... لفَقْدِ حَامٍ بِورْدِ الكَرِّ عَوَّادِ
لَهْفَ المُضافِ إذا جُلَّى به نزلَتْ ... ولم يَجِدْ كاشِفاً منها بمِرْصادِ
لَهْفَ المُضافِ إذا نادَى الصَّرِيخُ ولم ... يجِدْ له مصرخاً كالغيثِ للصَّادِي
لَهْفَ المُضافِ إذا الدهرُ العَسُوفُ سَطَا ... بضَيْمِ جارٍ لنُزْلِ العِزِّ مُعْتادِ
بل لهفَ كُلِّ ذوِي الآمالِ قاطبةً ... عليهمُ خيرُ مُرْتادٍ لِمُرْتادِ
كانتْ بهم تَزْدهِي في السِّلْمِ أنْدِيةٌ ... وفي الوغَى كُلُّ قَدَّادٍ ومُنْآدِ
على الأرائِك أقْمارٌ تُضِيءُ ومِن ... تحت التَّرائِك آسادٌ لمستادِ
تشكُو عِداهم إذا شاكِي السِّلاح بَدَا ... شَكَّ القَنَا ما ضَفَا من نَسْجِ أبْرادِ
إلى النُّحورِ وما تحوِي الصدورُ وما ... وَارَتْه في جُنْحِها ظُلماتُ أجْسادِ
جَنَى جَنىً قلقاً تحْوِي جَآجِئُها ... ممّا يُقَصِّد فيها كلُّ قَصَّادِ
بَأدُوا فباد من الدنيا بأجْمعِها ... مَن كان فكَّاكَ أصْفادٍ بإصْفادِ
وقد ذَوتْ زَهْرةُ الدنيا لِفَقْدِهمُ ... وأُلبِستْ بعدهم أثْوابَ إحْدادِ
واجْتُثَّ غَرْسُ الأماني من فَجِيعتهم ... وأنْشَد الدهرُ تقْنيطاً لِرُوَّادِ
يا ضيفُ أقفْرَ بيتُ المَكْرُماتِ فخُذْ ... في جَمْعِ رَحْلِك واجمعْ فَضْلَة الزَّادِ
يا قلبُ لا تبْتئِسْ من هَوْلِ مَصْرَعِهمْ ... وعَزِّ نفسَك في بُؤْسٍ وأنْكادِ
بمَن غدا خَلَفاً يا حبَّذَا خَلَفٌ ... في المُلْكِ عن خيرِ آباءٍ وأجدادِ
بحائزٍ إرْثَهم حاوٍ مَفاخِرَهم ... كما حَوى الألْفُ من آحادِ أعْدادِ
وذاك زيدٌ أدام اللهُ دولتَه ... وزاده منه تأييداً بإمدادِ