فالتجأ إلى بعض الأشراف، فأمنه على نفسه بعد مشاهدة الوقوف على الهلاك والإشراف.
ثم سار مختفيا إلى اليمن، واستمر حتى قتل ابن عبد المطلب، فلم ير من شريف مكة السيد مسعود ما كان يأمله قبل، فتوجه إلى الهند فألقى بها عصاه، إلى أن بلغ من العمر أقصاه.
انتهى.
ومن شعره الذي أخذ بكل معنى، وتعطر بمشام ذكره كل مغنى.
قوله:
صَوادِحُ الْبانِ وَهْناً شَجْوُها بادِي ... فمن مُعِينُ فتىً في فَتِّ أكْبادِ
صَبٌّ إذا غنَّتِ الورْقاءُ أرَّقهُ ... تَذْكيرُها نَغَمات الشادِنِ الشادِي
فبات يرعُف من جَفْنيْهِ تحسَبُه ... يُرَجْرِج المَدْمَعَ الوَكَّافَ بالجادِي
جافِي المضاجعِ إلْفُ السُّهْدِ ساوَرَه ... سَمُّ الأساوِدِ أو أنْيابُ آسادِ
له إذا الليل وَارَاهُ نَشِيجُ شَجٍ ... وجَذْوةٌ في حَشاهُ ذاتُ إيقادِ
سُمَّارُه حين يُضْنيه تَوَحُّشُه ... فيَشْرَئِبُّ إلى تأْسِيسِ عُوَّادِ
وَجْدٌ وهَمٌّ وأشْجانٌ وبَرْحُ جَوىً ... ولَوعةٌ تتلظَّى والأسى سَادِي
أضْناهُ تفْريقُ شَمْلٍ ظَلَّ مُجتمِعاً ... وضَنَّ بالعَوْدِ دَهْرٌ خَطْبُه عادِي
فالعمرُ ما بين ضَنٍ ينْقضِي وضَنىً ... والدهرُ ما بين إيعادٍ وإبْعادِ
لا وَصْلَ سَلْمَى وذاتِ الخالِ يرْقُبُه ... ولا يُؤمِّل من سُعْدَى لإسْعادِ
أضْنَى فؤاديَ واسْتَوْهَى قُوَى خلَدِي ... أقْوَى مَلاعبَ بين الهُضْبِ والوادِي
عَفَّتْ مَحاسنُها الأيامُ فانْدَرستْ ... واسْتبْدلَتْ وَحْشةً من أُنْسِها البادِي
وعاث صَرْفُ الليالي في مَعالِمها ... فما يُجيبُ الصَّدَى فيها سِوَى الصَّادِي
دَوارِجُ المَوْرِ مارتْ في مَعاهدِها ... فغادرَتْها عَفَا السَّاحاتِ والنادِي
وصَوَّحتْ بالبِلَى أطْلالُها وخَلَتْ ... رِحابُها الفِيحُ من هَيْدٍ ومِن هادِي
كأنها لم تكنْ يوماً لِبيضِ مَهاً ... مَراتِعاً قد خلَتْ فيهنَّ من هادِ
ولم تظَلَّ مَغانيها بغانيةٍ ... تُغْنِي إذا ما رَدَى من بَدْرِها رَادِي
ولا تثَنَّتْ بها لَمْياءُ ساحِبةً ... ذَيْلَ النعيم دَلالاً بين أنْدادِ
فارقْتُها وكأنِّي لم أظَلَّ بها ... في ظِلِّ عَيْشٍ يُجلِّي عُذْرَ حَسَّادِ
أجْنِي قُطوفَ فُكاهاتٍ مُحاضرةً ... طَوْراً وطوراً أُناغِي رُتْبة الهادِي
هَيْفاءُ يُزْرِي إذا ماسَتْ تمايُلُها ... بأمْلَدٍ من غصونِ الْبانِ مَيَّادِ
بجانبِ الجيدِ يَهْوِي القُرْطُ مُرْتعِداً ... مَهْواهُ جِدُّ سَحِيقٍ فوق أكْتادِ
شِفاهُها بين حُقِّ الدُّرِّ قد خَزنتْ ... ذخيرةَ النَّحَلِ مَمْزُوجاً بها الجْادِي
إذا نَضَتْ عن مُحَيَّاها النَّقابَ صَبَا ... مُسْتهْتَراً كلُّ سَجَّادٍ وعَبَّادِ
وإن تجلَّتْ ففيما قد جَلَتْه دُجىً ... لنا به في الدَّآدِي أيُّما هادِي
وَمِيضُ بَرْقِ ثَناياها إذا ابتسمتْ ... بعَأرضِ الدَّمْعِ مِن مَهْجورِها حَادِي
وناظِرانِ لها يَرْتَدُّ طَرفُهما ... مهما رَنَتْ عن قتيلٍ ما له وَادِي
وصُبْحُ غُرّتِها في ليلِ طُرَّتِها ... يَوْمايَ من وصلِها أو هجرِها العادِي
تلك الربوعُ التي كانت مَلاعبُها ... أخْنَى عليها الذي أخْنَى على عادِ
إلى مَلاعب غِزْلانِ الصَّرِيمِ بها ... يَحِنُّ قلبي المُعَنَّى ما شدَا شَادِي
بُعْداً لدهرٍ رماني بالفِراقِ بها ... ولا سَقَى كَنفيْه الرّائحُ الغادِي