وتعلم كثرة دعاء الأنبياء، والمقتدين بهم من الأولياء، بالاستعاذة من جوارك، والاستقالة من عثارك، والتضرع إلى الله في محو آثارك.

وأما الشعراء فقد هاموا بهجوك في كل واد، وقاموا بذمك على رؤوس الأشهاد.

وأمروا للهرب منك بالتغرب في البلاد، ومقاساة الأين في ذلك والسهاد، حتى

رأيتُ المُقامَ على الاقْتصادِ ... قُنوعاً به ذِلَّةٌ في العبادِ

وحسبك بيتٌ سار مسير الأمثال في الورى،

فسِرْ في بلادِ اللهِ والْتَمِسِ الغِنَى ... تَعِشْ ذا يَسارٍ أو تموتَ فتُعْذَرا

وقال من أنف من قدرك الحقير:

دَعِيني للغنى أسْعَى فإنِّي ... رأيتُ الناسَ شَرُّهم الفقيرُ

ولو عقلت ما فاخرت الأقران، وقد نظموك والكفر في قران.

ما أحْسَنَ الدين والدنيا إذا اجْتمعا ... وأقْبَحَ الكفرَ والإفْلاسَ بالرَّجُلِ

وصعاليك اليهود، على هذا البيت من الشهود.

ولولا ذم الإطرا وخوف الملام، وأن يقول بعض الفقراء مادح نفسك يقريك السلام؛ لأوردت عليك ما نظموه في من المدائح، وصيرت لك در الفرائد من أخلاف القرائح.

وكيف لا وأنا علتهم الغائية في نظم مدائحهم المحبرة، ونعوتهم المحررة، وأغزالهم الرائقة، وتخيلاتهم الفائقة.

وهل الممدوح إذا مثل المادح لديه، إلا المعهود الذي أقدره على إطلاق يديه.

فخذ إليك غيضاً من فيض، ولمعةً من روض.

وإن أردت زيادة الخوض، ملأت بهذا السجل لك الحوض.

حتى تقول قطني، فقد ملأت بطني.

قال الراوي: فاستجاش الفقر وازبأر، وزمجر وزأر، واستوفز وأثأر، وقال: كلا لا مفر " إلى ربك يومئذٍ المستقر ".

الآن حمي الوطيس، والتف الخميس بالخميس.

وتكلمت القلوب بألسنةٍ أحد من الصفاح، بل تكلمت ألسنة العذبات الحمر بأفواه الجراح.

مَن صدَّ عن نِيرانِها ... فأنا ابنُ قَيْسٍ لا بَرَاحُ

أيها الغني، أمثلي تذلل صعابه البرى، ويركب أعجاز الإبل وإن طال السرى.

أقسمت بمن جعلني في خلقه آية، ورفع لي على الطاغين أشهر راية، وجعلني لمحق الباغين أشأم من ابن داية؛ لتسمعن مني ما يدعك تقرع بأنامل الندم الثنايا، وأنا ابن جلا وطلاع الثنايا.

أيها الناعم في لباس العجب والتيه، والزاعم أنه مولى الفضل ومؤتيه، والنازع إلى أخلاق اللؤم والرداة، والمنازع رب الكبرياء رداه.

لقد افتريت في وصفي ووصفك بمينك، وأبصرت القذاة في عيني ولم تبصر الجذع في عينك.

وصدفت عن مناهج الحق ومشارعه، وحرفت الكلم عن مواضعه.

ولو أنك شداد بن عاد، ثم متعك الله تعالى بإرم ذات العماد، وفرعون ذو الأوتاد، ثم نجوت من اليم بمن معك من الأجناد، وكليب بن ريبعة ولم يقدر عليك جساسٌ في الحمى، وأبرهة ولم ترمك طيرٌ أبابيل من السما، وزهير بن جذيمة ولم تأخذك يد خالد من قريب، وأبو جهل بن هشام ولم تسحب إلى القليب؛ لأنفت لك من هذا العجب والاستطالة، وضجرت منك إذ أطلت هذه الإطالة.

لكن لا بدع في ذلك فإنك منبع الطغيان، بنص القرآن: " إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى "، " أن كان ذا مالٍ وبنين، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ".

وإن الذي جمع مالاً وعدده، وحسب أن ماله أخلده، منك استمد مدده، وبك أعد في الكفر عدده.

وقد قالت أكابر قريش حين لفحتها ريحك العقيم: " لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم ".

وقد علم مفضلك أو مساويك، إن لم يعمه حبك عن مساويك، أن الخلق بك يخسرون ولا يفلحون، وأنك من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

فكم قد اقتضى غي أهوائك، وعي أدوائك، وسكر شرابك، ومسكر سرابك أن يقطع السارق، ويقمع المارق، ويروع الخائن، ويصفع المائن، ويدفع الغاصب القاسط، ويتبع المحاسب المغالط.

وأن يدنس بياض الأعراض، بسواد دنايا الأغراض، ويتحكم في صحاح العقول عضال الأمراض، من الأطماع الحقيقة بالإهمال والإعراض.

ويفصح الحريص بالجريض، عند الحث على الجود والتحريض.

وأن يرتكب الحازم، متون المآثم.

يطيب الظنون، ويقدم السالك في المفاوز والمهالك على ريب المنون.

وكم أوقعت فتنتك بين المرء وأبيه، وخليله وأخيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعاً ثم لا ينجيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015