ولا عَرفتُ السُّقمَ لولا الهوى ... ولا تَبارِيحَ الجوَى والشُّجونْ

كم وقفَةٍ لي في طُلولِ الحِمَى ... رَوَّى ثَراهَا صَوْبُ دَمْعِي الهَتُونْ

يا ربْعُ خَبِّرْ لا جَفاك الْحَيَا ... وَلْهانَ لا يعرِفُ غَمْضَ الجُفونْ

هل كنتَ مَغْنىً للغزالِ الذي ... إليه أصْبُو والتَّصابي فُنُونْ

وأشْرقتْ فيك شُمُوسُ الضُّحَى ... من فوقِ قاماتٍ تفُوق الغُصونْ

مِن كلِّ غَيْداءَ إذا أسْفَرتْ ... يجْلُو مُحيَّاها ظلامَ الدُّجونْ

سُيوفُ لَحْظيْها إذا جُرِّدتْ ... تُغْمَد من أحْشائِنا في جُفونْ

وعَامِلُ الْقامةِ تسْطُو به ... فينا إذا ماسَتْ بأيْدِ المَنُونْ

والشَّامةُ السَّوداءُ في خَدِّها ... تُعَلِّمُ الصَّبَّ فنونَ الجُنونْ

مَنِيعةُ الحُجْبِ فَنيْلُ اللِّقا ... منها بَعِيدٌ عن مَرامِي الظُّنونْ

حَسْبُكَ لَوْماً يا عَذُولِي اتَّئِدْ ... إنِّي لِعَهْدِي في الهوى لا أخُونْ

لا تطْلُبِ السُّلْوانَ من وَامِقٍ ... فذاك شيءٌ أبداً لا يكونْ

فدَعْ سُكارَى كأسِ خمرِ الهوى ... يا صاحِ في سَكْرَتهِمْ يعْمَهُونْ

ظَنُّوا اتِّباعِي للهوى ضَلَّةً ... وهم لرُشْدِي فيه لا يعلمونْ

أما ووَجْدِي يا أُهَيْلَ اللِّوَى ... وعهدِيَ الباقي وسِرِّي المَصُونْ

وما لهم من مَنْزِلٍ عامرٍ ... بسَفْحِ قلبي هُمْ به نازِلُونْ

وطِيبِ أوْقاتٍ مَضَتْ بالحِمَى ... لَفَقْدِها تَذْرِي الدموعَ العُيونْ

لقد أطَعْتُ الحبَّ في حُكْمِه ... ومِلْتُ عن طُرْقِ الأُلَى يَعْذِلُونْ

بذَلْتُ فيه مُهْجتِي طَائِعاً ... وبَذْلُها في الحبِّ عندي يَهُونْ

ومن نتفه ومقاطيعه، قوله مصدراً ومعجزاً:

لمَّا سرقْتُ بناظرِي مِن لَحْظِهِ ... خُلَساً من اللَّحظاتِ بالآماقِ

وجَنَيْتُ حَدّاً إذْ جَنيْتُ برَوْضِهِ ... وَرْداً حَمَتْه صَوارِمُ الأحْداقِ

قطَع الكرَى عن ناظِرِي مُتعمِّداً ... فوصَلْتُه بالمَدْمَعِ المُهْرَاقِ

كيْلا يقولَ الناسُ إنَّك سارِقٌ ... والقَطْعُ حَدُّ جِنايةِ السُّرَّاقِ

وقوله مصدراً أيضاً:

ولمَّا رَقمْتُ الطِّرْسَ أشْفَق ناظرِي ... ومانَعَ من سَبْقِ الكتابِ إلى الوَصْلِ

وقال لِيَ احْكُمْ أنتَ بالحقِّ بيْننا ... وقال لِخَطِّي سوف أمْحُوكَ بالهَطْلِ

كِلانا سَوادٌ في بَياضٍ فما الذي ... يَميِزُكَ والأهْدابُ في مَوْضِعِ الشَّكْلِ

وهل ما أُقاسِي من سُهادٍ ومَدْمَعٍ ... خُصِصْتُ به حتى تُشاهِدَهم قَبْلِي

وقوله:

وحقِّك يا كُلَّ المَرامِ أنا الذي ... جعلتُ له حِصْنَ اليَقينِ مُقامَا

لأنك قد عَوَّدْتَه لُطْفَك الذي ... إذا زار لم يطْرُق كَراهُ لِمَامَا

ولم يَكُ مَنْسِيّاً لديْك بِحالةٍ ... ولا منك يخْشَى غَفْلةً وسَآمَا

فكم آيةٍ أظْهَرْتَها إثْرَ آيةٍ ... أيَعْمَى لها ذُو اللُّبِّ أو يَتَعَامَى

ومَن كان ذا أرضٍ سقى بِذْرَها الْحَيَا ... فقد حاز مَحْصولَ الزُّروعِ وسامَا

ومن يَكُ في مَهْدِ العِنايةِ وَادِعاً ... يَزْدْ عند تَحرِيك الخُطوبِ مَنامَا

وقوله:

وكأنما الثَّغْرُ الشَّهِيُّ رُضابُه ... ضِمْنَ الشِّفاهِ مع الوِشامِ الأخضَرِ

دُرٌّ نَضِيدٌ ضِمْنَ حُقِّ زَبَرْجَدٍ ... وله غِطاءٌ من عَقِيقٍ أحْمَرِ

وقوله:

وباكيةٍ إذ وَدَّعْتنِي وقد بَدتْ ... بوَجْهٍ لهَتْكِي في المَحبَّةِ سافِرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015