إلى مَعاليك العُلى ينْتسِبُ ... ومِن أياديك النَّدَى يُنْتَخَبُ

نمِيلُ في مَطْلبِنَا علَيْكَا ... وتلتقِي آمالُنا لَدَيْكَا

فكتب إليه:

يا عُمْدتي في الصَّحْبِ والخِلاَّنِ ... وعدَّتِي إذا عَدا زَمانِي

وطِبَّ دائي ودواءَ جُرْحِي ... وعينَ أعْيانِ ورُوْحَ رُوحِي

وصَارِمِي الصَّارِمَ للأعداءِ ... وسَطْوتِي عند لِقَا الهَيْجاءِ

يا مَنْهَلَ الفضلِ ويُنْبوعَ الأدَبْ ... وبَحْره المُلْقِي إليْنا بالعَجَبْ

إليك ما كنتُ به وَعَدْتُ ... وإن أكُنْ أبْطأتُ ما أخْطَأْتُ

فالعُذْرُ يا مولايَ ما رأيْتَا ... فكُن لعُذْرِي قابِلاً بقيتَا

وهاكَها كوَجْنَةِ الحِسانِ ... في اللَّوْنِ أو كحُمْرةِ الدِّنانِ

كأنه صِيغَ من العَقِيقِ ... وطَعْمُه كرِيقَةِ المَعْشُوقِ

إذا شقَقْنا الظَّرْفَ عنه يبْدُو ... بَيْضٌ من النُّضارِ فيه نَدُّ

من ذاقه عافَ مَذَاقَ الشُّهْدِ ... والضِّدُّ يبْدُو فضلُه بالضِّدِّ

فكُلْ هَنيّاً يا شقيقَ رُوحِي ... وعِشْ مُعَمَّراً كعُمْرِ نُوحِ

السيد محمد بن حيدر بن علي فرعٌ من أشرف نبعة، نمت في أشرف بقعة.

فهو في بيت الشرف شمسٌ ذات إشراق، وفي روض الأدب غصنٌ تتفكه منه بثمار وتتفيأ بأوراق.

فوجه أدبه سافر، وحظه من البراعة وافر.

إذا جرى في مضمارٍ قصر مجاريه، وإذا برى أقلامه فلا أحد يباريه.

مع ما خصه الله من شمائل، أرق من الشمول وألطف من الشمال، وخلائق أشهى من طيب الوصال، وأوقع من موافقة الآمال.

وقد اجتمعت به فرعت عيني منه في مرعىً خصيب، واستطلعت نفسي منه مطلعاً له من الحسن أوفر نصيب.

فشاهدت من نباهته ولطف رويته وبداهته، ما تملك قلبي، واستأثر في أن يخلب خلبي ويسلب لبي.

وحباني من أشعاره بكل مقصدٍ نامي الغراس، وكل مخيلةٍ خامرت العقل لأنها جاءت من أكرم بيت راس.

فمن ذلك قوله:

نسيمٌ سرَى عن شِيحِ نَجْدٍ ورَنْدِهِ ... وبَرْقٌ شَرِى من غَوْرِ نَجْدٍ ونَجْدِهِ

فذلك مُورٍ نارَ شَوْقِي بزَنْدِهِ ... وهذا مُثيِرٌ حَرَّ وَجْدِي ببَرْدِهِ

وأذْكَرنِي صَوْبُ الغمامِ مَدامِعِي ... لتَجْرِي وذكرُ الشيء يجْري بنِدِّهِ

ولولا الهَوى إن كنتَ تعلمُ ما الهوى ... لما زلْزلتْ قلبي زَماجِرُ رَعْدِهِ

ووُدِّي لظَبْيٍ بالصَّرِيمةِ راتِعٍ ... وفي بعض أفْعالِي وَفَيْتُ بوُدِّهِ

فيُنْبِتُ دمعي كلَّ بَقْلٍ برَوْضِه ... ويحْرِق مَرْعاه زَفِيرِي بوَقْدِهِ

أُحِبُّ عَذُولِي حين ينْطِق باسْمِه ... وأُبْغِضُ مَرْآهُ وَفاءً بعَهْدِهِ

وأُظْهِر من خَوْفِ الوُشاةِ سُلُوَّه ... وإن كان لي قلبٌ يُنادِي بضِدِّهِ

وأقصِد بُعْدِي يَقْظةً عن مَزارِهِ ... وإن لم أُحِبَّ النومَ إلاَّ لِقَصْدِهِ

ويلْهجُ نُطْقِي بالعُذَيْبِ وحاجِرٍ ... ويعْدِل عن ذِكْرِي حِماهُ بجُهْدِهِ

وفي كلِّ عُضْوٍ لي لسانٌ مُوَلَّعٌ ... بذِكْراه في قلبِ المَزارِ وبُعْدِهِ

فهذا وَفائي في الهوى بحُقُوقِه ... فهل أرْتجِي منه الوفاءَ بوَعْدِهِ

وكم بالرُّبَى صَبٌّ صَبا بالذي سَبَا ... فؤادي ولم يمْنُنْ عليَّ برَدِّهِ

من العُرْبِ طَفْلٌ دأْبُه اللهوُ عابِثٌ ... بطفْلِ سوادِ العينِ في مَهْدِهِ سُهْدِهِ

وَهبْتُ له رُوحِي وأعلمُ أنه ... يصُدُّ لكي أحْظَى بلَفْتَةِ جِيدِهِ

ونَيْلُ رِضاه مُنْتهَى ما أَرومُه ... وما عاشقٌ من لم يقِفْ عند حَدِّهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015