يا نُزولَ الصَّفْحِ من إضَمٍ ... بُعْدُكم أفْنَى قُوَى بَدَنِي
حَبَّذا أيَّامُنا وبكم ... كانت الأقْدارُ تُسعِدُنِي
حيث وجهُ الدهرِ مُنْبَلِجٌ ... وخيولُ اللهوِ ليس تَنِي
وسَرابيلُ الصِّبا قُشُبٌ ... لم تُمزِّقْها يَدُ المِحَنِ
ليت شِعْرِي والرَّجا طَمَعٌ ... بكم الأيامُ تجمعُنِي
يا ديارَ الأُنْسِ جادَك مِن ... فَيْضِ دمعي هامِلُ المُزْنِ
إن أكُنْ قد بِنْتُ لا بِرِضاً ... ففؤادي عنكِ لم يَبِنِ
آهِ كم من ليلةٍ سلفَتْ ... فيك محفوظاً من الحَزَنِ
ليس يُنْسيني تذكُّرَها ... غيرُ مَدْحِ المِصْقَعِ اللَّسِنِ
فاضلُ العصرِ الذي يدُه ... حلَّتِ الأجْيادَ بالمِنَنِ
مَن به الآدابُ قد فخرتْ ... وبدَتْ في منظرٍ حسَنِ
يُدْرِك الأشْيا بفِطْنتِه ... وذَكاهُ وهْي لم تكنِ
فِكْرُه كم حَلَّ مُشكِلةً ... وقَفتْ عنها ذَوُو الفِطَنِ
عُمْدتِي في كلِّ نازلةٍ ... جَرَّدتْ نَ؛ ْوِي ظُبَا الفِتَنِ
يا عَفيفِ الدِّين عبدُ هوىً ... بك لم يغدُرْ ولم يخُنِ
قُمْتَ تدْعوه بمُفْرَدةٍ ... أصْبحتْ كالقُرْطِ في الأُذُنِ
فاخْتبرْنِي يا أبا حسَنٍ ... تَرَنِي المْخبورَ بالحسَنِ
وتقبَّلْ مِدْحةً برزَتْ ... مِن شَحٍ ناءٍ عن الشَّجَنِ
جمُدتْ أفكارُه زمَناً ... فَرُمِي بالعِيِّ واللَّكَنِ
رفَض الأشْعارَ عنه فلو ... وَزَنُوا الأمْوالَ لم يَزِنِ
دُمْتَ سَمّاً للْعِدَى سنَداً ... لِيَ يا أطْرُوفةَ الزَّمنِ
لو دَعانِي من غيرِ أرْضك داعٍ ... لغَرامٍ لكنتُ غيرَ مُلَبِّي
وأما أنت أيها الأخ الشقيق. والصديق الشفيق.
سمعاً لأمرك الواجبة إطاعته المفروضة إجابته، الممتنعة مخالفته، المستحيلة مجانبته.
لو قيل تِيهاً قِفْ على جمرِ الغَضا ... لوقفْتُ ممتثِلاً ولم أتوَقَّفِ
كيف وقد دعوتني إلى شيءٍ أتمنى حصوله، وأترقب وصوله.
وكنت أرى نيله كالمستحيل للسائل، وطالما قلت: أين الثريا من يد المتناول.
فظهر لي قيام الحظ بعد قعوده، وتبدل نحوسه الملازمة بسعوده.
وطفقت أسحب ذيل الإعجاب مرحا، وتزايد بي السرور حتى بكيت فرحا.
يا قلبُ قَرَّ فمن تُحِبُّ ... أتى على وَفْقِ المُرادِ
فثق مني بخلوص ودٍ لا يشوبه غش الانفصام، حتى تفارق بعد العمر الطبيعي أرواحنا الأجسام.
ألْقِنِي في لَظىً فإن غيَّرتْنِي ... فتيقَّنْ أني لستُ بالياقُوتِ
والله المسئول أن يجعل عيون الحاسدين عنا نائمة، ويزرقنا والمسلمين حسن الخاتمة.
وكتب إليه، وقد وعده بمشترى تمرٍ له:
يا مالكَ الفضلِ ويا خِلَّ الأدبْ ... ويا كريمَ الأصلِ يا فخرَ العَرَبْ
طال اشْتياقِي فاستمعْ مَقالِي ... لخضْمِ تمْرٍ كالزُّلالِ حالِي
شبَّهتْهُ لم أعْدُ في تشْبيهِه ... طريقةَ القَصْدِ لَدَى مُرِيِدِهِ
مَخازنٌ من العَقِيقِ نبتَتْ ... أقفْالُها من النُّضارِ جُعِلَتْ
أو أُنْمُلاتٌ للغَوانِي طُلِيَتْ ... بالزَّعْفرانِ أعْجَبتْ وَفَتنتْ
وأكُؤُساً من النضارِ الصَّافِي ... تشْربُها وخِلُّك المُصافِي
كأنه خُلْقُك في حَلاوتِهْ ... ولفظُك الباهرُ في بَراعتِهْ
يا حُسْنَه حين يُرَى في أَدَمِهْ ... يُوجِدُ شَخْصَ الجوعِ بعد عَدَمِهْ
أحبَبْتُه حُبَّ الصغيرِ أُمّهْ ... ولا عجِيب حُبُّ ابنِ العَمَّهْ
فانْعَمْ به دُمْتَ مدَى الدهورِ ... تسحبُ ذيلَ الانْسِ والحُبورِ