أروح وأغْدُو واجِداً بين أضْلُعِي ... لَهِيبَ جَوىً لم يخْلُ حِيناً من الوَقْدِ

أعَضُّ بَنانِي حسرةً وتأسُّفاً ... وأنْدُب عصراً لم أبِتْ خالياًَ وحْدِي

وأُرْسِلُ دَمْعاً كالغمَامِ إذا هَمَى ... فهيْهات أن يُغْني التأسُّفُ أو يُجْدِي

إلى الله أشْكُو جَوْرَ دهرٍ إذا عَدَا ... على المرء حَاجَاه بألْسِنَةِ لُدِّ

وقائلةٍ والعيْشُ يُزعِجُه النَّوَى ... وعَبْرتُها كالطَّلِّ يسقط في الوَرْدِ

لبئس المُنَى أن تقطعَ البِيدَ بالسُّرَى ... وترْحلَ عن وادِ المُحصَّبِ للهِنْدِ

فقلتُ لها ما القَصْدُ واللهِ مُنْيَةً ... ولا نَيْلَ سُؤالٍ من عَرُوضٍ ومن نَقْدِ

ولكنْ لأقُضِي شُكْرَ سالِفِ نِعْمةٍ ... مُشيَّدةِ الأرْكانِ بالأَبِ والجَدِّ

لأكْرَمِ مَوْلىً ألْبَستْ يدُه الوَرى ... مَطارِفَ نَعْماءٍ تجِلُّ عن الحَدِّ

ومن شعره قوله مجيباً لصاحب السلافة، عن أبيات كتبها إليه، لغرضً عرض:

أبا حسنٍ لا زال سَعْدُك غالباً ... وجَدُّكَ مَسْعوداً ونَجْمُك ثاقِبَا

ولا زالتِ العَلْياءُ تُجْنَى ثِمارُها ... لَديْك وتَحْوِي في المَعالي الأطايِبَا

أتاني قَرِيضٌ منك قد جرَّ ذيلَه ... على الأطْلَسِ الأعْلَى وفاق الكَواكبَا

يُشِير إلى خِلٍ تغيَّر وُدُّهُ ... وأصبح من بعدِ التَّحابِي مُحارِبَا

أبَى اللهُ أن يَثْنِي عِنانَ وِدادِه ... ولو مَطَرتْ سُحْبُ الغوادِي قَواضِبَا

ولكنه يا مَفْخَرَ العربِ امْرُؤٌ ... يُجرَّع من هذا الزمانِ مَصائِبَا

فجرَّد عَزْماً للتَّجافِي عن الورى ... وأصبح مُنْحازاً عن الخلقِ جانِبَا

فصبراً لهذا الدهرِ إنَّ صُروفَه ... لَعَمْرُكَ تُبْدِي من قضاها عجائِبَا

سيصْفو شرابٌ مَرَّ دهراً مُكدَّراً ... ويرضَى مُحِبٌّ ظلَّ حِيناً مُغاضِبَا

فإن ضميرِي لا يزال مُنازِعِي ... بأنَّك تَرْقَى في المَعالي مَراتِبَا

مَراتِبُ تسْمُو للسِّماكَيْن رِفْعةً ... تقُود بها خَيْلَ الفخار جَنائِبَا

فذلك عندي عن تَقيٍ مُكَرَّمٍ ... صَدُوقٍ إذا ما قال لم يُلْفَ كاذِبَا

وما زلتُ أرْعَى قولَه في مَواطنٍ ... فألْفيْتُه ثَبْتَ المَقالةِ صائِبَا

ودُمْ رَاقِياً للمجدِ أرْفعَ رُتْبةٍ ... تُبيدُ الأعادي أو تُنيِل الرَّغائِبَا

أحمد بن أبي القاسم الخلي من أولى الناس للمجد تفصيلا، وأحقهم للترجيح تكميلاً وتفضيلا.

لم ترفع عن أحسن من محاسنه النقب، ولم تتشرف بأفضل من مآثره الحقب.

ولقد منيت به في إحدى ثلاثة منى، وحصلت منه على ما كنت أتوقعه من أمنيةٍ ومنى.

في هنيئة أقصر من رجعة طرف، وأخصر من كتابة حرف.

فرأيت فاضلاً ألقى دلوه في بحر الأدب فنزفه، ومد إلى غصنه الفينان فقطفه.

وأنشدني من شعره ما تحسد اتساقه الثغور، وتغزله شهب السماء فتغور.

فمنه قوله من قصيدة:

حَيَّى الْحَيَا مَراتِعاً بنَجْدِ ... قد طاب فيها صَدَرِي ووِرْدِي

مَراتعاً كنتُ سميراً للدُّمَى ... بها وتِرْبَ ناهِدات النَّهْدِ

من كلِّ هَيْفاءِ القَوام غادةٍ ... يبْسَم فَاها عن لآلِي عِقْدِ

إذا انْثنَى بالدَّلِّ لَدْنُ قَدِّها ... فأين منه عَذَباتُ الرَّنْدِ

ثقيلةُ الرِّدْفِ هضِيمةُ الحشا ... يحْكيهما تجلُّدِي ووَجْدِي

ضعيفةُ الخَصْرِ ولكن فِعْلُه ... في القلبِ أبْلانِي بضَعْفِ الجُهْدِ

كثيرةُ الخُلْفِ فما لِصَبِّها ... مَطْلُ وَعِيدٍ ونَجازُ وَعْدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015