علي بن القاسم بن نعمة الله المعروف بالمنلا وجده الرابع من آبائه الشيخ ظهير الدين، علامة شيراز في زمانه، وسر التحقيق الذي أظهره الدهر بعد كتمانه.
وعلي هذا فرعٌ من فروع دوحته، بان فضله من حين جيئته وروحته.
فظهر أوان الظهور وساد، وشاد من دعائم مجده المؤثل ما شاد.
بهمةٍ إلى صرف العلى مصروفة، وشيمةٍ بإسداء المعروف معروفة.
وأما فضله فالبراعة ميدان مجاله، والنباهة محل رويته وارتجاله.
وله شعر سهل طريقه وساغ، فانساغ مع الرقة ألطف مساغ.
فمنه قوله، مضمنا:
ولمَّا أتتْني من جَنابِك نَفْحةٌ ... تضَوَّع من أنْفاسِها المسكُ والنَّدُّ
وقفْتُ فأتْبعْتُ الرسولَ مُسائِلاً ... وأنْشدْتُه بيتاً هو العَلَمُ الفَرْدُ
وحدَّثْتني يا سعدُ عنها فزِدْتني ... شُجوناً فزِدْنِي من شجُونِك يا سعدُ
والبيت المضمن للعباس بن الأحنف، وبعده:
هَواها هَوىً لم يعرِف القلبُ غيرَه ... فليس له قَبْلٌ وليس له بَعْدُ
وله، وكتبه في صدر كتاب:
أناخَ بسُوحِي جيشُ همٍ وإبْطالِ ... وأضحَى قَرِينَ القلب من بعدِ تَرْحالِ
وما فَلَّ ذاك الجيشَ غيرُ صَحِيفةٍ ... تجِلُّ لَعَمْرِي عن شَبِيهٍ وأمْثالِ
أتَتْ تسلُب الألبابَ طُرّاً كأنها ... رَبيبةُ خِدْرٍ ذاتُ سِمْطٍ وخَلْخالِ
أتَتْ من خَليلٍ قثربه غاية المُنى ... ومنظرُه الأَسْنى غدا جُلَّ آمالي
فلا زال مَحْفوظاً عن الحُزْنِ والأسَى ... ولا زال مَحْفوفاً بعِزّ وإجْلالِ
ولده أحمد هو في هذه الأخلاف، يذكر بما يذكر به كبار الأسلاف.
من تقوى تعمر بها ظاهره، ومن صيانةٍ تجملت بها مظاهره.
وقد رأيته بمكة المعظمة، وفرائد آدابه بليت الزمان منظمة.
وهو من النعمة في ظلٍ رطيب المطارح، ومن الكرامة في حمىً رحيب المسارح.
فتناولت من مناظيمه قطعاً كحدائق الجنان، فدونك منها ما يتمتع به الطرف والجنان.
فمنها قوله، من قصيدة أولها:
يا أخِلاَّئي بجَرْعاءِ الحِمَى ... ما لِصافِي وُدِّنا عاد أُجاجَا
وليالٍ بِمنىً قَضَّيْتُها ... مَعْ نَدِيمٍ لم يكنْ في الحب دَاجَا
ومِليح كاملٍ في حُسْنِه ... يفضَح الأقمارَ حُسْناً وانْبِلاجَا
فسعَى في شَتِّنا دهرٌ بَنَى ... بيْننا من فادِح البَيْن رِتاجَا
فتنَاءَوْا وتبدَّلْتُ بهم ... فِتْنةً حادتْ عن الحقِّ اعْوِجاجَا
وقوله من أخرى:
سقى اللهُ رَبْعاً بالأجارعِ من هندِ ... وحَيَّى الحْيَا وادِي الأراكةِ والرَّنْدِ
مَغانٍ بها كان الزَّمانُ مُساعدِي ... بأفْنانِ بِشْرٍ من أسِرَّتِه يُبْدِي
ورِيمٍ إذا ما لاح ضوءُ جَبينِه ... بفَرْعٍ حكَى لَيل التَّباعُدِ من هنْدِ
أرَانا مُحَيّاً كالغزالةِ في الضحى ... أو البدرِ في بُرْجِ التَّكامُلِ والسَّعْدِ
له مُقْلةٌ وَسْناءُ ترشق أسْهُماً ... تُصِيب الحشَا قبلَ الجوارِحِ والجِلْدِ
وثَغْرٌ إذَا ما ضاءَ في جُنْحِ دامِسٍ ... توهَّمْتَ دُرّاً قد تنضَّد في عِقْدِ
يُدير به ظَلْماً كأنَّ مَذاقَهُ ... جَنَى الطَّلْعِ أو صِرْفُ السُّلافِ أو الشُّهْدِ
وتالِعُ جيدٍ ما الغزالةُ إن عَطَتْ ... بمُنْعرجِ الجَرْعاءِ طالبةَ الوِرْدِ
وصَعْدَةُ قَدٍ إن تُقل غُصُن النَّقَا ... يقول لها هيْهات ما ذاك من نِدِّي
ورِدْفٌ تَشكَّى الخَصْرُ أعْباءَ ثُقْلِهِ ... فنَاء به حتى تضاءَلَ عن جُهْدِ
فلله هاتيك الليالي التي خَلَتْ ... وعُوِّضْتُ عنها بالقَطِيعة والبُعْدِ
وأصبحتُ والأحشاءُ يذْكُو لَهِيبُها ... ألِيفَ النوى حِلْفَ الجوى دائمَ السُّهْدِ